الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما يتم ذكر مصطلح “العقوبة” في المجال القانوني فإن الذهن ينصرف مباشرة إلى الجزاءات التي تصدر بناء على قرارات إدارية أو أحكام قضائية وتتعلق بالحق العام، لكن هل يمكن تطبيق هذا المعنى على أطراف التعاقد؟
في مشهد قد يتكرر في الواقع العملي، نجد أن أطراف التعاقد – سواء أكانوا أفرادًا أم شركات – يعمدون إلى إبرام اتفاقيات أو القيام بتصرفات قانونية؛ متخففين فيها من ثقل استيفاء الإجراءات النظامية، بغية التيسير أو التوفير، وما يلبث الأطراف حتى يجدوا ينابيع المشقة تتفجر من خلال ما أهملوه من إجراءات.
وقد رسمت الأنظمة الإجرائية والموضوعية أثر الإجراءات المحددة للتصرفات القانونية، والتي تتمثل في تحقق الضمانات القانونية التي تحمي أطراف هذا التصرف، وسنركز في هذا المقال على أثر فقدان الضمانات القانونية، دون أن نتطرق للعقوبات التي تفرضها الجهة المختصة مثل هيئة الزكاة والضريبة، أو وزارة التجارة.
ولعل أبرز هذه الممارسات، هي أن يعمد الأطراف لتسجيل تصرف عقاري بأقل من قيمته الحقيقية بغية توفير جزء من مبلغ ضريبة التصرفات العقارية، أو بغير قيمته الحقيقية بغية الاستفادة من مبلغ التمويل، وهذا بلا شك؛ فيه إهدار للضمانات المتقررة في نظام المعاملات المدنية، سواء في حالة المطالبة برد الثمن وفسخ العقد، أو ما يتعلق بالغرر والغبن، وغيرها من الضمانات، لا سيما أن هذا الفعل يتضمن تعديلًا لحقيقة وانعكاس هذا التعديل على محرر رسمي.
ومن هذه الممارسات عدم إعداد وتسجيل عقد وساطة عقارية، مما يجعل هذه العلاقة غير منتجة لأثارها القضائية، وكما هو الحال مع عقود الإيجار سواء للتهرب من رسوم المنصة الرسمية، أو لعدم وجود وثائق تصلح لتسجيل هذه الواقعة، مثل عدم وجود صك الكتروني محدث، بما يجعل ضمانات الطرفين مهدرة، فلا يستطيع المؤجر مطالبة المستأجر بالسداد أو الإخلاء، وبالمقابل لا يستطيع المستأجر إثبات أي من حقوقه أمام القضاء.
ومن هذه الممارسات أيضًا عدم توثيق نقل المركبات، سواء لوجود مانع نظامي أو غيره، كالمخالفات غير المسددة، أو عدم الإيفاء بكامل الثمن، إلا أن ما يترتب على هذه الممارسة هو إهدار للضمانات النظامية المتعلقة بالتأمين، والمخالفات المرتكبة بعد إبرام التصرف.
ولا تخلو الشركات النظامية من مثل هذه الممارسات، كعدم إثبات الشراكة وفق الإجراءات النظامية، أو عدم تعديل عقد التأسيس، أو عدم توثيق قرارات الشركاء، بما يجعل أثرها يسري على أطرافها، وإثبات ذلك فيه مشقة.
فمن المهم أن يُدرك المتعاقدون أن النظام لم يضع الإجراءات من باب التعقيد أو التعسير، وإنما كضمانة لحفظ الحقوق، وبيان المسؤوليات، وضبط التعاملات.
كما أن المتعاقد تقع على عاتقه مسؤولية عدم إبرام أي تصرف فيه إهدار لضمانة نظامية، سواء كان المتعاقد لشخصه، أو كان كيانًا يمثل أشخاص، مهما كان التعاقد مغريًا.
وبالتالي أعتقد أنه يصح وصف “إهدار المتعاقد للضمانات القانونية” بأنها بحد ذاتها عقوبة يوقعها المتعاقد على نفسه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال