الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
شهدت السعودية في السنوات الأخيرة طفرة غير مسبوقة في استخدام المنصات الاجتماعية والتقنيات الرقمية وهو ما فتح آفاقاً جديدة لتطوير قطاع التسويق المحلي بشكل جذري. ومع الانتشار الواسع للهواتف الذكية وازدياد أعداد مستخدمي الإنترنت بشكل يومي صار من الطبيعي أن يتجه الأفراد نحو هذه المنصات كوسيلة أساسية لاكتشاف المنتجات والخدمات والتفاعل بشكل مباشر مع العلامات التجارية. المنصات مثل تيك توك وسناب شات ويوتيوب وإنستغرام أصبحت جزء لا يتجزأ من حياة الناس اليومية وتشكل نافذة تسويقية بالغة التأثير خاصة للشركات الناشئة وأصحاب المشاريع الصغيرة.
هنا الذي يميز هذا التحول هو أن الوصول للجمهور لم يعد يتطلب ميزانيات ضخمة كما كان الحال مع الوسائل التقليدية مثل الإعلانات الورقية أو التلفزيونية. لكن يمكن لصاحب مشروع صغير أن يبدأ ببث مقطع بسيط عن طريق إحدى المنصات ويصل إلى آلاف العملاء خلال وقت قصير بشرط أن يكون المحتوى جذاباً ويتوافق مع اهتمامات المستخدمين. هذا الأسلوب غيّر من قواعد اللعبة وفتح الباب أمام مئات من المشاريع المحلية التي استطاعت أن تحقق أرباحاً ونمواً واسعاً بإعتمادها فقط على التسويق الرقمي.
وفي هذا الإطار تعمل السعودية على تعزيز هذا التحول من خلال الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتوفير بيئة تشريعية وتنظيمية مرنة تشجع على الابتكار في المجال الرقمي. هيئة الإعلام المرئي والمسموع على سبيل المثال وضعت قواعد واضحة لعمل المؤثرين والمعلنين الرقميين بهدف تنظيم السوق ورفع مستوى الثقة بين المستهلك والمعلن. إضافة لذلك فإن رؤية 2030 تضع التحول الرقمي كأحد ركائزها الرئيسية وتسعى لتمكين الشباب من خلال توفير فرص التدريب والدعم التقني لدخول سوق التسويق الرقمي باحترافية.
من النماذج الناجحة في هذا السياق هو الاعتماد المتزايد على التسويق عن طريق المؤثرين الذين يتفاعلون مع جمهورهم بشكل مباشر وينقلون تجاربهم مع المنتجات والخدمات وهذا يعطي مصداقية أكبر من الإعلانات التقليدية. هؤلاء المؤثرون أصبحوا وسطاء فعليين بين الشركات والعملاء ويؤدون دوراً مهماً في تسويق المنتجات المحلية بطريقة تلقائية وطبيعية. كما ظهرت طرق تسويق تعتمد على الرسائل الفورية والردود السريعة على استفسارات العملاء وهي أدوات فعالة تخلق تجربة شخصية وتزيد من فرص البيع.
جانب مهم آخر هو أن المنصات الاجتماعية اصبحت تُستخدم أيضاً كأدوات لتحليل سلوك المستهلكين وفهم اتجاهاتهم من خلال البيانات المتاحة حول التفاعل والمحتوى المفضل ومواقيت الاستخدام. هذه البيانات تمنح الشركات نظرة دقيقة تساعدها على تحسين عروضها وتوجيه رسائلها التسويقية بشكل أكثر فعالية وواقعية. وهو ما يُساهم في تقليل التكاليف وزيادة معدلات التحويل والإيرادات.
المؤسسات التعليمية بدورها بدأت في تبني مفاهيم التسويق الرقمي في مناهجها لتواكب متطلبات السوق الحديث وتؤهل خريجين قادرين على قيادة هذا التحول بما يضمن استدامة النمو في هذا القطاع الحيوي. كما بدأت بعض الجهات بتنظيم ورش عمل ومعارض متخصصة في التسويق عبر المنصات الرقمية لاستعراض تجارب محلية ناجحة وتحفيز الشباب السعودي على الابتكار والمبادرة في هذا المجال.
أخيراً فإن استثمار السعودية في هذا النوع من التسويق لا يعزز فقط اقتصاد المشاريع الصغيرة والمتوسطة لكن يساهم أيضا في بناء اقتصاد رقمي متكامل يتماشى مع تطلعات المملكة نحو تنويع مصادر الدخل والتحول إلى اقتصاد معرفي قائم على الابتكار والتقنية. المنصات الاجتماعية ليست مجرد أدوات ترفيه ولكن تحولت إلى قنوات اقتصادية ذات وزن فعلي في الدورة الاقتصادية السعودية الحديثة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال