الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خلال مؤتمر نظمه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خرج سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI بتصريح صريح وواضح أن الذكاء الاصطناعي لن يُحدث مجرد تغييرات طفيفة على سوق العمل ولكن سيتسبب في اختفاء أنواع كاملة من الوظائف خلال السنوات القادمة. هذا التصريح جذب الانتباه ليس لأنه مفاجئ تماماً ولكن لأنه يأتي من أحد أبرز قادة شركات الذكاء الاصطناعي وفي لحظة حساسة يمر بها الاقتصاد العالمي.
من وجهة نظري كمتخصص في المالية وأكاديمي كلام ألتمان يتجاوز كونه مجرد توقع تقني فهو دعوة للتفكير بجدية في شكل الاقتصاد الحديث ودور الإنسان فيه خلال المرحلة القادمة. نحن الآن أمام واقع جديد يتغير بسرعه فيه كل شيء. الذكاء الاصطناعي ليس مجرّد أداة مساعدة في أداء المهام لكن أصبح عنصراً أساسياً ينافس الإنسان في مجالات فكرية ومهنية كنا نعتقد لوقت طويل أنها حكر على البشر.
لفترة طويلة كانت الأتمتة تركز على الوظائف اليدوية والمتكررة لكن الآن الوضع أختلف و بإمكان الذكاء الاصطناعي إنجاز مهام مثل التحليل المالي وإعداد التقارير والترجمة وحتى تقديم مشورة قانونية أولية. هذا التطور يحدث بسرعة كبيرة في عصرنا ويؤثر على قطاعات متعددة بعمق ووضوح.
في القطاع المالي مثلاً ما كنا نراه من اعتماد البنوك على فرق تحليل وبحوث متخصصة صار الآن مهدداً بأن يُستبدل بأنظمة ذكية تتعلم من البيانات وتستجيب لها في الوقت الحقيقي. وظائف مثل إدخال البيانات والتحليل الأساسي ومراقبة المخاطر تمر بمرحلة تغيير كبيرة وهذا يتطلب من العاملين في هذا المجال إعادة تقييم مهاراتهم وأدوارهم.
التحدي الحقيقي الآن هو في تغيّر خارطة المهارات المطلوبة. السوق الآن يعطي قيمة أكبر لمن يتقن أدوات التكنولوجيا الحديثة ويعرف كيف يستخدمها بفعالية بينما تتراجع أهمية المهارات التقليدية مهما بلغت سنوات الخبرة. هذا التحول من الممكن أن يخلق فجوة واسعة بين من يواكب التطور ومن يتأخر عنه. المجتمعات التي تتأخر في تطوير التعليم والتدريب سوف تكون الأكثر عرضة للتأثر لأن التغيير قادم والتأقلم معه ضرورة.
في المملكة العربية السعودية يوجد فرصة واضحة أمامنا ومع تركيز رؤية 2030 على بناء اقتصاد معرفي وقطاع مالي متطور. تتوفر الأرضية اللازمة للاستفادة من هذا التحول حيث تحقيق النجاح يتطلب إعادة النظر في طريقة إعداد الشباب وتأهيلهم. حتى لا يكونوا مجرد باحثين عن وظائف تقليدية ولكن يكونوا صانعي فرص في بيئة اقتصادية جديدة تقوم على الابتكار والمعرفة.
إذاً بدلاً من الاكتفاء باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي من المهم أن نتعلم كيف نصممها ونطورها ونستخدمها في معالجة التحديات المحلية وتحسين جودة الحياة. هذا يبدأ من تطوير المناهج ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في التخصصات الأكاديمية وتوسيع نطاق التدريب المهني ليشمل مهارات تحليل البيانات والتفكير النقدي والبرمجة.
أخيراً الذكاء الاصطناعي يتقدم بسرعة ولن ينتظر أحد ولو نظرت عن قرب سوف تجد أنه لا يغير شكل الوظائف فقط لكن يعيد تشكيل الطريقة التي نفكر بها في العمل والإنتاج والمساهمة في الاقتصاد. إذن أمامنا فرصة لنكون في موقع الريادة في هذا التغيير وذلك يتطلب الاستعداد والرغبة في التعلم المستمر ومرونة التفكير التي تواكب متطلبات المرحلة القادمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال