الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يحظى القطاع العقاري باهتمامٍ كبير من القيادة الرشيدة، ولا أدل على ذلك ما صدر مؤخراً من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -يحفظه الله- من التوجيه باتخاذ عددٍ من الإجراءات التي تهدف لتحقيق التوازن العقاري، علاوة على صدور عددٍ من الأنظمة واللوائح التي تنظم هذا القطاع -مؤخراً- وآخرها نظام تملك غير السعوديين للعقار. وأتناول في هذا المقال أبرز الأحكام القانونية للعربون بشكل عام، وللعربون في التعاملات العقارية بشكل خاص؛ كونه امتاز ببعض الأحكام النظامية الخاصة، علاوة على شيوع التعامل به في الصفقات العقارية.
بداية أشير إلى أن الاجتهاد الفقهي والقضائي استقر على جواز بيع العربون والاعتداد به بشكل عام بعد أن كان محل خلاف بين الفقهاء -قديماً-؛ وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم: 72 (8/3) النص على جواز بيع العربون إذا قيدت فترة الانتظار بزمن محدود، وعلى أن العربون يحتسب جزءًا من الثمن إذا تم الشراء وأما إن عدل المشتري عن الشراء فيكون العربون من حق البائع، كما صدرت العديد من الأحكام القضائية التي تقرر هذا المبدأ العام.
وقد جاء نظام المعاملات المدنية مؤكداً لذلك، إذ تناول أحكام العربون (بشكل عام في جميع العقود وليس التعاملات العقارية فحسب)، كما أشارت المادة (44) إلى أن دفع العربون عند إبرام العقد يفيد أن لدافع العربون وحده الحق في العدول عن العقد، وليس له إذا عدل أن يسترد مبلغ العربون مالم يتفق على خلاف ذلك. وكذلك بينت أن مدة العدول يتم تعيينها من المتعاقدين، ولكن في حال عدم تعيينها فإن المحكمة تتولى ذلك بحسب العرف وظروف العقد. كما أوضحت أن سكوت دافع العربون حتى مضي المدة أو عدم تنفيذ ما التزم به خلالها يعد عدولًا منه عن العقد. وبالتالي فمن المهم مراعاة هذه الأحكام، وأبرزها أن يتم النص على الاتفاق على حق المشتري في استرداد العربون؛ إذ لا يكفي النص في العقد على كونه عربوناً فحسب، بل لابد من النص على حقه في استرداد العربون إذا عدل عن العقد. كما يجب على دافع العربون إن رغب في المضي في العقد ألا يسكت وأن ينفذ ما التزم به؛ حتى لا يُعد ذلك عدولاً منه عن العقد بنص النظام.
والعربون في الصفقات العقارية التي تتم عن طريق الوسطاء العقاريين يمتاز ببعض الأحكام الخاصة التي يجب مراعاتها؛ لكي يُعتبر عربوناً وتكون له أحكام العربون النظامية؛ وقد تناولت المادة (13) من نظام الوساطة العقارية هذه الأحكام الخاصة، ومن أبرزها أنها اشترطت النص على العربون كتابةً، كما اشترطت ألا يتجاوز العربون (5%) من قيمة الصفقة، كما أوضحت المادة جزاء تخلف أحد هذين الشرطين، فإن لم ينص على العربون كتابة، أو تجاوز العربون (5%) من قيمة الصفقة؛ فإن المبلغ المدفوع لا يُعتبر عربوناً، وإنما يُعتبر دفعة مقدمة من الثمن. كما أكدت المادة على أنه في حال تعثر إتمام الصفقة بسبب من المشتري أو المستأجر دون وجود عيب في العقار؛ فإن العربون لا يُعاد، ولكن إن كان سبب تعثر الصفقة لا يعود للمشتري أو المستأجر فإنه يلزم إعادة العربون. ولذلك يجب على من يرغب دفع عربون في صفقة عقارية تتم من خلال وسيط عقاري، مراعاة هذه الأحكام؛ وأبرزها النص على كونه عربوناً بشكل صريح كتابةً، وعلى ألا يتجاوز(5%) من قيمة الصفقة؛ وإلا فإنه سيعتبر جزءًا من الثمن لا عربوناً.
ولكن إذا دُفِعَ عربون في صفقة عقارية لم تتم من خلال وسيط عقاري، فهل تنطبق عليه الأحكام الخاصة بالصفقات العقارية التي تتم عن طريق الوسطاء العقاريين؟ أم تنطبق عليه الأحكام العامة للعربون؟ بالنظر إلى نظام الوساطة العقارية نجد أن المادة (3) نصت على أنه: “تسري أحكام النظام على كل من يمارس الوساطة العقارية أو الخدمات العقارية، أو يتعامل بهما ، أو يستفيد منهما“، وهذا النص يظهر منه أن هذه الحالة لا تخضع للنظام لعدم وجود الوسيط العقاري. ولم أطلع على أحكامٍ قضائية لهذه الحالة، ولكن يمكن القول بأنها تأخذ الأحكام العامة للعربون وفق نظام المعاملات المدنية؛ لأن النص النظامي في نظام الوساطة العقارية خاص بالصفقات العقارية التي تتم عن طريق الوسطاء العقاريين، فالأولى أن يقتصر عليها، ولا يتجاوزها إلا بدليل، لا سيما أن الأصل العام هو تطبيق نظام المعاملات المدنية إلا إن وجد نص نظامي خاص؛ وفقاً لما أكدت عليه المادة (الأولى) من نظام المعاملات المدنية من أن تطبيق نصوص النظام لا يخل بالنصوص النظامية الخاصة. وهذه المسألة محل اجتهاد.
وما تقدّم يؤكد أهمية العناية بالعربون، وضرورة النص الصريح عليه بشكل لا لبس فيه -في جميع العقود والتعاملات وليس التعاملات العقارية فحسب-؛ إذ من المتصور -عند انعدام النص الصريح- اختلاف طرفي التعامل حيال طبيعة المبلغ المدفوع مقدماً في حال عدم إتمام الصفقة؛ فالمشتري سيتمسك -غالباً- بكونه جزءاً من الثمن (دفعة مقدمة) ليسترده، في حين أن البائع سيتمسك -غالباً- بكونه عربوناً ليحتفظ به ويتفادى إعادته للمشتري. وعند نشوء هذا الخلاف، بدون نصٍ صريح بين الأطراف فكيف سينظر القضاء إليه؟ إن هذه المسألة واضحة حينما يتعلق الأمر بنزاع في عربونٍ لصفقة عقارية تمت عن طريق وسيط عقاري؛ لوجود النص النظامي الصريح الذي يتطلب التصريح بالعربون كتابةً، وأنه يصبح دفعة مقدمة عند انعدام ذلك، ولكن حينما يتعلق الأمر بنزاع في عربون بخلاف ذلك فماذا سيقرر القضاء؟ بالنظر إلى بعض الأحكام القضائية الحديثة -الصادرة بعد نفاذ نظام المعاملات المدنية- نلحظ أن القضاء يجعل أن الأصل هو كون المبلغ المدفوع جزءاً من الثمن، وأنه لا يُعتبر عربوناً إلا في حال النص الصريح على ذلك، لكون العربون خلاف الأصل؛ وبالتالي وفي ظل انعدام النص الصريح، فإن هذا المبلغ يأخذ أحكام الثمن لا العربون؛ ويؤسس القضاء ذلك على أن المادة (44) من نظام المعاملات المدنية صرحت بتسمية المبلغ المدفوع عربوناً، وعلى أن الأصل في الأوصاف العارضة العدم كما في القاعدة رقم (11) من المادة (720) من نظام المعاملات المدنية؛ وبالتالي فإن على من يدعي العربون تقديم بينته على دعواه التي هي خلاف الأصل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال