الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الوقت الذي تخوض فيه المملكة معركتها الكبرى نحو الشفافية والإصلاح ضمن مستهدفات رؤية 2030، كانت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد “نزاهة” تكتب فصلًا جديدًا من الحرب على الفساد، حرب لا تدار بالسلاح بل بالحزم، ولا تُخاض في الجبهات بل في المكاتب والممرات ودهاليز المصالح، حيث يتسلل الفاسدون بأوراقهم وابتساماتهم العابثة ليحوّلوا الوظيفة العامة إلى صفقة خاصة. لكن “نزاهة” كانت لهم بالمرصاد، وهذه بعضٌ من قصصهم التي لا تقل تشويقًا عن روايات الجريمة… لكنها واقعية تمامًا.
في منفذ بحري، قبض موظفان 400 ألف ريال على دفعات من مخلّص جمركي مقابل تمرير شاحنات بطرق غير نظامية. لا تفتيش، لا تدقيق، فقط تسهيلات مدفوعة الثمن. وفي محافظة أخرى، اجتمع ضابط صف وموظف بلدية على صفقة مريبة، مكنوا بها ثلاثة تجار من الحصول على المعادن الناتجة عن إزالة مبانٍ حكومية وبيعها لاحقًا مقابل 4 ملايين و655 ألف ريال، بينما كانت حصتهم من الغنيمة 110 الاف ريال فقط، مقابل كسر النظام وكسب المكافأة.
أما كاتب الضبط في المحكمة الجزائية، فقبض عليه متلبسًا وهو يتسلّم 32 ألف و500 ريال، كدفعة أولى من أصل 65 ألف ريال، وعد بها أحد المواطنين بإصدار حكم براءة. وفي أحد الكيانات التجارية، حصل مقيم على أكثر من 234 ألف ريال
مقابل تسهيل تعاقد بالباطن مع جهة تعليمية في مشاريع رسمية. أما المفاجأة الثقيلة، فكانت عند مدير إدارة التراخيص في إحدى البلديات، إذ عُثر في حساباته أكثر من 7 ملايين ريال لم ينجح في تبرير مصدرها، بينما ثبت أنه ألغى مخالفات تجارية بطريقة غير نظامية.
وفي جسر الملك فهد، استغل موظف بطاقة تصريح عبور تابعة للمؤسسة ومرّر المركبات وجمع لنفسه أكثر من 55 ألف ريال دون أن يسجلها كإيرادات. أما العسكري الذي كان يُفترض به حفظ النظام، فقد تعاون مع مقيم لإيقاف محصّل شركة والاستيلاء منه على 707 الاف ريال كانت في حوزته. وفي مشهد آخر، قبض موظف بلدي 51 ألف ريال على دفعات من مقيمين أصحاب محال تجارية مقابل التغاضي عن مخالفاتهم وعدم تسجيل الغرامات عليهم.
الجرأة وصلت لحد أن موقوفًا عرض على رجل أمن مبلغ أكثر من 43 ألف ريال مقابل إطلاق سراحه. وفي أحد المنافذ البرية، استولى موظف على مضبوطات جمركية تحتوي على سجائر، وقام بتهريبها باستخدام المركبة الرسمية للجمارك إلى خارج مستودع الضبط. وفي البحر، تلقى مفتش بحري أكثر من 11 ألف ريال من كابتن سفينة مقابل عدم تحرير غرامة مالية وترك السفينة ترسو بسلام.
وفي مركز شرطة، ثبت أن ضابط صف كان يتقاضى مبالغ مالية لإنهاء قضايا ومعاملات، دون أي اعتبار للنظام. أما موظف في وزارة التجارة، فقد قبض عليه لحظة استلامه 12 ألف ريالًا مقابل عدم نشر حكم قضائي يدين منشأة تجارية بالغش. وفي أحد شوارع المدينة، قبض مشرف ميداني يعمل لشركة متعاقدة مع الأمانة على 3 الاف ريال من أصل مبلغ متفق عليه يبلغ 15 ألف ريال، مقابل عدم تحرير مخالفة على منشأة. موظف آخر، في أمانة محافظة مختلفة، قُبض عليه وهو يتسلّم الفي ريال مقابل التغاضي عن مخالفة بناء.
ولم تسلم وزارة الصحة من العدوى، حيث طلب مدير إدارة الإمداد والتموين الطبي في أحد التجمعات الصحية مبلغ 380 ألف ريال من إحدى الشركات الطبية لإصدار تعاميد توريد مواد طبية بشكل غير نظامي. وفي تجمع صحي آخر، قبض مدير إدارة المشتريات والعقود مبالغ مالية مقابل تمكين كيان تجاري مملوك لرجل أعمال من الحصول على مشاريع حكومية بطرق غير نظامية، بل إنه عرض 100 ألف ريال على أحد زملائه لترسية عدد من المشاريع على ذات الكيان. وأخيرًا، تم القبض على طبيب وافد يعمل في مستشفى حكومي بعد حصوله على مبالغ مالية مقابل إصدار تقارير طبية مزيفة تمنح مرضى وهميين إجازات مرضية.
وبجمع الأرقام، نكتشف أن هذه القضايا وحدها كشفت فسادًا تتجاوز قيمته 14 مليون ريال، ما بين رشاوي ونقل غير مشروع وتجاوزات وظيفية صارخة، وكل ذلك خلال فترة زمنية قصيرة.
من منظور السلوك والضبط والعدالة يكشف عن أنماط سلوكية واضحة تتماشى مع الجهود المبذولة في المملكة العربية السعودية ضمن إطار رؤية 2030 التي تؤكد على الشفافية والإصلاح، حيث تبرز القضايا المسجلة سلوكيات تتمحور حول الجشع والفرصة، كما في حالة موظفين في منفذ بحري تلقيا 400 الف ريال لتمرير شاحنات بطرق غير نظامية، أو تعاون ضابط صف وموظف بلدي لتمكين تجار من بيع معادن حكومية بـأكثر من 4 ملايين و655 الف ريال بمكافأة 110 الاف ريال، مما يعكس نقصًا في الوعي الأخلاقي والضمير المهني، مع وجود تنسيق يشير إلى شبكات فساد صغيرة تستغل ثغرات النظام، وتتراوح الرشوة بين مبالغ صغيرة كـ2,000 ريال وكبيرة كـ7.1 مليون ريال في حسابات مدير تراخيص، مما يدل على تفاوت في الجرأة والطموح الشخصي، بينما تظهر حالات مثل الطبيب الوافد الذي أصدر تقارير مزيفة استغلالًا متعمدًا للثقة، مقابل موظف جسر الملك فهد الذي جمع اكثر من 55 ريال بفرصة عرضية، مما يبرز انعدامًا في الانضباط الذاتي يتطلب تدخلاً استباقيًا.
في هذا السياق، أثبتت هيئة “نزاهة” فعاليتها من خلال عمليات الرصد والقبض السريع كما في توقيف كاتب ضبط متلبسًا بـ32 الف ريال، مع الاعتماد على جولات رقابية وتحليل حسابات مالية دقيقة كما في حالة مدير التراخيص، مما يعكس استراتيجية استباقية تعتمد على البيانات والمعلومات الاستخباراتية، ويعزز التنسيق مع الجهات الأمنية كما في إيقاف عسكري ومقيم استولوا على 707 الاف ريال قوة الضبط عبر القطاعات المتنوعة مثل الجمارك، البلديات، والصحة، حيث شملت الحالات طبيبًا وافدًا وموظفين آخرين، مما يدل على نطاق واسع للمراقبة يقلل من فرص الهروب ويتماشى مع بناء نظام حكومي متكامل يدعم أهداف الرؤية. هذه الجهود تترجم إلى تطبيق العدالة بلا استثناء، حيث تم توقيف أفراد من مختلف الرتب دون تمييز، وبقيمة فساد تجاوزت 14 مليون ريال، مما يبرز أهمية المحاسبة ويوحي باحتمال فرض عقوبات مشددة تتماشى مع سياسة الردع، مع رسالة واضحة أن الوظيفة العامة ليست ملكية شخصية والمحاسبة مستمرة حتى بعد انتهاء الخدمة، مما يعزز من فعالية الرقابة اللاحقة.
من وجهة نظر تحليلية، يمكن القول إن هذه الحالات تعكس تحديًا فرديًا أكثر من كونه ثقافة نظامية، حيث تبرز أهمية تعزيز التوعية الأخلاقية والتدريب المهني كوسيلة وقائية، إلى جانب الاستثمار في التكنولوجيا لسد الثغرات، بينما تظل العقوبات أداة فعالة للردع، وهو ما يدعم رؤية 2030 في بناء دولة القانون والتنمية المستدامة، حيث تتكامل الجهود بين الرصد الدقيق، الضبط الفوري، والمحاسبة القانونية لضمان حماية المصلحة العامة وتعزيز الثقة في النظام الحكومي.
وتبقى الرسالة واضحة لا لبس فيها، لا حصانة لفاسد، ولا مكان في الوطن لمن يحول الوظيفة إلى مزاد، فالسعودية لا تتهاون مع من يخون الأمانة. وهذه القصص ليست سوى جزء من مشوار طويل تسير فيه “نزاهة” بخطى ثابتة، لتؤكد أن الوطن يُحمى بعدالة لا تعرف المجاملة، ويد لا ترتجف حين تكتب بلاغ القبض.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال