ضريبة الدخل في الخليج بين واقع عُمان واحتمالات شمولها دول خليجية أخرى

خطوة سلطنة عمان الأخيرة بتطبيق أول ضريبة دخل فردي في دول الخليج تعتبر محطة محورية في المشهد الاقتصادي الإقليمي وتفتح نقاشاً واسعاً حول مستقبل النماذج الاقتصادية في المنطقة. ومدى استعداد دول مجلس التعاون للتعامل مع متغيرات المشهد المالي العالمي الذي يتجه نحو تنويع الإيرادات وتقليل الاعتماد المفرط على العوائد النفطية. وهو التوجه الذي تنخرط فيه المملكة العربية السعودية ضمن أهداف رؤية 2030 الهادفة لبناء اقتصاد مستدام ومتنوع يعتمد على الابتكار والمعرفة.

سلطنة عمان أعلنت رسمياً عن تطبيق ضريبة دخل بنسبة 5٪ على شريحة الدخل المرتفع والتي تتجاوز 42 ألف ريال عماني سنوياً أي ما يعادل نحو 109 آلاف دولار أمريكي. ويمثل هذا القرار جزء من خطة إصلاح مالي واسعة تشمل تعزيز الإيرادات غير النفطية وتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط كمورد رئيسي للميزانية العامة. وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء العمانية وعدد من التقارير الاقتصادية الصادرة عن مؤسسات دولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي والتي طالبت دول الخليج منذ سنوات بضرورة إصلاح أنظمتها المالية وضبط النفقات وتنويع الإيرادات بما يتماشى مع التغيرات العالمية المتسارعة.

السعودية رغم اختلاف قوتها الاقتصادية وحجمها الإقليمي إلا أنها تواجه ذات التحديات الاستراتيجية المتمثلة في ضرورة تنويع الإيرادات وضمان الاستدامة المالية العامة. خاصة وأن أكثر من 60٪ من الإيرادات الحكومية لا تزال مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالقطاع النفطي بحسب بيانات وزارة المالية السعودية. ومع تحقيق خطوات مهمة في رفع الإيرادات غير النفطية عن طريق أدوات مثل ضريبة القيمة المضافة ورسوم الوافدين وبرامج الخصخصة إلا أن مسألة تطبيق ضريبة دخل على الأفراد تظل محل نقاش واسع في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية داخل السعودية.
من منظور اقتصادي مالي صرف يُعتبر تطبيق ضريبة دخل تصاعدية على الدخل المرتفع في السعودية خطوة منطقية إذا ما تم تنفيذها ضمن استراتيجية شاملة ومتدرجة. تهدف لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساهمة في تمويل الخدمات العامة وضمان توزيع أكثر توازناً للأعباء المالية بين المواطنين بحيث يتحمل أصحاب الدخل المرتفع نسبة أعلى من الالتزامات المالية وفقاً لمبدأ العدالة الضريبية المتعارف عليه عالمياً.

تجربة فرض ضريبة دخل تصاعدية ليست جديدة حيث تُعد الولايات المتحدة الأمريكية من أبرز الدول التي تطبّق هذا النظام بشكل فعّال. حيث تبدأ نسبة الضريبة من 10٪ على الشرائح المنخفضة الدخل وترتفع تدريجياً لتصل إلى 37٪ على الدخل المرتفع وهو ما مكّن الحكومة الأمريكية من تمويل البنية التحتية والتعليم والصحة والدفاع وبرامج الرعاية الاجتماعية.

في ألمانيا يعتمد النظام الضريبي على مبدأ التصاعدية الصارمة حيث تبدأ النسب من 14٪ وتصل إلى 45٪ على الدخل المرتفع مع فرض ضرائب إضافية في حالات معينة. وذلك لدعم النظام الاجتماعي والبنية التحتية العامة وكذلك في فرنسا وكندا وأستراليا تتراوح النسب التصاعدية بشكل مرن مع تركيز واضح على حماية الفئات متوسطة ومحدودة الدخل من الأعباء المالية الكبيرة.

أما في الدول الاسكندنافية مثل السويد والنرويج فتُطبّق أنظمة ضريبية مرتفعة نسبياً تصل إلى أكثر من 50٪ في بعض الحالات. لكنها تقابلها مستويات استثنائية من جودة الحياة والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية وهو ما جعل هذه الدول في طليعة مؤشرات التنمية البشرية والسعادة العالمية.

السعودية إذا قررت مستقبلاً التوجه لتطبيق ضريبة دخل تصاعدية على الدخل المرتفع يجب أن تضع في الاعتبار الخصوصية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع السعودي. وتحرص على بناء نظام ضريبي تدريجي شفاف وعادل يُطبّق أولاً على شريحة الدخل المرتفع. وذلك مع توجيه عائداته بشكل واضح نحو تحسين الخدمات العامة وتطوير البنية التحتية ودعم برامج الحماية الاجتماعية وتطوير قطاع التعليم والصحة بما يعزز من مستوى معيشة المواطنين ويُحقق تطلعات رؤية 2030.

كذلك فإن خطوة عمان تُرسل رسالة واضحة مفادها أن منطقة الخليج لم تعد بمنأى عن التغيرات الاقتصادية العالمية. وأن استمرار الاعتماد المفرط على النفط ليس خياراً مستداماً في ظل تقلبات الأسعار والتحولات التكنولوجية والاقتصاد الأخضر وتوجهات الاستثمار العالمية نحو الابتكار والطاقة المتجددة والاقتصاد الرقمي.

إلا أن تطبيق ضريبة الدخل في السعودية يتطلب جاهزية تشريعية وإدارية متكاملة تبدأ بتطوير البنية التنظيمية وتوفير الكفاءات البشرية والتقنية اللازمة لإدارة النظام الضريبي بكفاءة عالية. إلى جانب حملات توعية شاملة تُساهم في بناء ثقافة ضريبية مجتمعية تدرك أهمية هذه الخطوة وأثرها الإيجابي على الاقتصاد الوطني في المدى الطويل.
الأهم أن لا يُنظر لضريبة الدخل كأداة مالية عاجلة لسد عجز الموازنة لكن كخيار استراتيجي لتعزيز الاستدامة المالية وتحفيز الابتكار والاستثمار وخلق فرص العمل في القطاعات الواعدة مثل التقنية والطاقة المتجددة والسياحة والصناعات المتقدمة. وهذا كله ينسجم مع رؤية السعودية 2030 لبناء اقتصاد قوي ومتنوع مستدام يُعزز من مكانة المملكة الاقتصادية إقليمياً وعالمياً.

أخيراً يتضح أن تحرك السعودية المدروس نحو دراسة تطبيق ضريبة دخل تصاعدية على الدخل المرتفع إذا تم وفق رؤية واضحة وخطط دقيقة سيُشكّل نقلة نوعية تُسهم في تحقيق التوازن المالي وتعزيز العدالة الاجتماعية ورفع كفاءة الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة. وهذا كله يحمي مستقبل الأجيال القادمة ويُرسخ موقع السعودية كلاعب اقتصادي محوري على الساحة الدولية.