الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في التاريخ… حين يُذكر “أينشتاين”، تتقافز إلى الأذهان صور المعادلات والنظريات التي غيرت نظرتنا للكون.
ورغم رحيله منذ عقود، لا يزال اسمه يُستحضر كلما تحدّث العالم عن العبقرية العلمية.
وعندما نقرأ عن “أوبنهايمر” الأب الروحي للقنبلة النووية فإن العالم، رغم انقسامه بين المأساة والإنجاز، لا ينكر عبقريته الفيزيائية.
بل حتى في الطب، واجهنا تجارب اكتُشفت لاحقًا آثارها الجانبية… ومع ذلك، لا يُسلب العلماء لقب “العبقري”.
فالعبقرية كما عرفناها تاريخيًا كانت مرتبطة دائمًا بإنتاج معرفة، اكتشاف علم، أو كسر قوانين تقليدية.
لكن، لماذا لا نسمع أحدًا يقول: هذا “عبقري في القيادة”؟
هل لأن القيادة لا تستحق لقب “العبقرية”؟
أم لأننا لم نحسن بعد تعريف عبقرية من هذا النوع؟
في محاولاتنا لوصف القادة، نستحضر كلمات مثل: الذكاء، الحكمة، الدهاء، الحزم، الكاريزما…
لكن نادرًا، بل ربما لم يحدث، أن وُصف أحدهم بأنه “عبقري في القيادة”.
في هذا المقال، أطرح سؤالًا وجوديًا في علم القيادة:
ماذا لو جمعنا بين مفهوم العبقرية، ومفهوم القيادة؟
هل يمكن أن توجد “عبقرية قيادية”؟
وإن وُجدت، فكيف تبدو؟ ما ملامحها؟
وهل يمكن تتبعها في التاريخ، أو في شخصيات نراها اليوم؟
لنبدأ أولًا بفهم المفهومين كما عرفهما العلم:
العبقرية كما تُعرف في علم النفس، ليست فقط الذكاء المرتفع، بل هي القدرة الفذّة على رؤية الأمور بطرق لا يراها الآخرون.
هي القدرة على الابتكار، وكسر النمط، وخلق حلول غير متوقعة في مواقف معقدة.
هي مزيج من الذكاء الفطري، العُمق الإدراكي، والمثابرة الذهنية في مواجهة التحديات.
والقيادة ليست مجرد سلطة ولا منصب… بل هي التأثير.
هي القدرة على توجيه السلوك البشري، وتحفيز الناس، وصنع القرار في ظل غموض أو ضغوط.
هي عقلية تتعامل مع البشر، لا الأرقام.
وهي مجال مليء بالتعقيد لأنه يتطلب التعامل مع التباينات، العواطف، والسياقات المتغيرة.
لو جمعنا بين العمق الإدراكي، والقدرة على الابتكار في أشد لحظات التعقيد (العبقرية)،مع فن التأثير وإدارة البشر والأنظمة (القيادة)…
فقد نرى عبقرية القيادة.
وقد ربطت بعض المراجع الغربية مفهوم عبقرية القيادة ب شخصيات تاريخية بارزة مثل نابليون بونابرت ويوليوس قيصر.
فمثلاً، يُعد نابليون مثالًا على القائد الذي كسر الأنماط التقليدية وحقق أهدافًا غير متوقعة.
عندما كان يُنتظر من البابا أن يُتوّج الحاكم الجديد لفرنسا، فاجأ نابليون الجميع بأن توّج نفسه إمبراطورًا عام 1804، في إشارة رمزية إلى أنه لا يستمد شرعيته من الكنيسة بل من الشعب.
وفي قياداته العسكرية، اشتهر باختيار مسارات وطرق لم تكن متوقعة من قِبل أعدائه، مما منحه ميزة تكتيكية حاسمة.
لقد كان نابليون يتعمد الخروج عن المألوف لتحقيق التفوق والنجاح، مما جعله رمزًا لعبقرية القيادة خارج الأطر التقليدية
و لو انتقالنا الى تاريخنا الاسلامي و السعودي لوجدنا لدينا أمثلة ايضا على العبقرية القيادية، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه تجلت عبقريته في تحويل الإمبراطورية الإسلامية من دولة ناشئة إلى دولة مؤسسية، بوضع نظم ديوان الجند، وتقنين بيت المال، واستحداث مفاهيم إدارية غير مسبوقة في ذلك الوقت. لم تكن هذه مجرد إدارة، بل إعادة تخيل لدور الدولة والمجتمع في ظرف متسارع.
و الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه كان مفكر سياسي أدرك متى يستخدم القوة، ومتى يستخدم الحكمة في مسيرته لتوحيد المملكة، أظهر مرونة وتكتيكًا لا يُدرّس في كتب السياسة التقليدية، من خلال معاهدات وتحالفات لم تكن متوقعة في السياق القبلي والسياسي آنذاك.
و اذا اردنا ان نعزز هذا المفهوم و نتعرف على ماهية علامات العبقرية في القيادة فستكون:
وفي الختام، فإن عبقرية القيادة تشبه اللمسة الناعمة؛ قد لا تراها فورًا، لكنك تشعر بأثرها، وتُبهر بنتائجها، لأنها تخلق واقعًا جديدًا يتجاوز المتوقع. ولهذا، يجدر بنا أن نمنحها حقها، ونفهمها كجزء أصيل في جوهر علم القيادة، لا كاستثناء نادر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال