الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل التحولات الاقتصادية العميقة التي تشهدها المملكة تأتي أهمية تطوير التعليم العالي بوصفه أحد المحاور الاستراتيجية لرؤية السعودية 2030 وخصوصاً في المجالات المرتبطة مباشرة بالاقتصاد والاستثمار مثل كليات إدارة الأعمال. حيث قطعت بعض الجامعات الكبرى خطوات متقدمة في مواءمة برامجها مع متطلبات سوق العمل ومعايير الجودة الأكاديمية إلا أن العديد من الجامعات الناشئة لا تزال تواجه تحديات مؤثرة تحد من قدرتها على تخريج كوادر مالية مؤهلة قادرة على دعم الاقتصاد السعودي في مسيرته التنموية.
من أبرز التحديات التي تعاني منها أقسام الإدارة المالية في أغلب الجامعات الناشئة هو غياب معامل حاسوبية متطورة تخدم أعضاء هيئة التدريس و الطلبة في التدريب العملي على أدوات التحليل المالي. البيئة التعليمية الحديثة تتطلب تمكين الطالب من استخدام تقنيات المحاكاة والتطبيقات المالية وهو أمر لا يمكن تحقيقه دون معامل متخصصة مجهزة بأحدث البرمجيات وشاشات تداول ونماذج تحليلية تسمح بفهم ديناميكيات الأسواق بشكل واقعي. غياب هذه البيئة التدريبية يعمّق الفجوة بين المحتوى النظري والتطبيق العملي ويجعل الخريج أقل قدرة على التفاعل مع واقع العمل المالي والاستثماري بعد التخرج.
إضافة إلى ذلك يفتقر كثير من أقسام الإدارة المالية في هذه الجامعات الناشئة إلى اشتراكات في المنصات العالمية الرائدة مثل Bloomberg Terminal وRefinitiv Eikon وهي أدوات لا غنى عنها لأي باحث أو أكاديمي متخصص في الاقتصاد أو التمويل. هذه المنصات توفّر بيانات فورية وأسواق مالية وتحليلات اقتصادية عالية الجودة وتُعد من أبرز أدوات العمل المستخدمة في كبرى المؤسسات المالية حول العالم. وغيابها في الجامعات الناشئة يحرم الطلاب من التعرف على مهارات يستخدمها نظراؤهم في الجامعات العالمية ويحدّ من فرص التميز الأكاديمي والبحثي. وعلى حد علمي فإن الجامعات التي توفر اشتراكاً رسمياً في منصتي Bloomberg وRefinitiv حالياً داخل السعودية هي جامعة الأمير سلطان وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن فقط وهذا يجعل الفجوة بين الجامعات واضحة بشكل كبير.
ولا تقتصر الخيارات المتاحة على Bloomberg وRefinitiv فقط لكن توجد أيضاً إصدارات تعليمية قوية مثل Thomson ONE وPreqin وPitchBook وFactSet وS&P Capital IQ وكلها منصات تُستخدم في كليات إدارة الأعمال المرموقة في أمريكا وأوروبا وآسيا. توفر هذه الأدوات قواعد بيانات ضخمة وتحليلات لمجالات متعددة مثل الأسهم الخاصة ورأس المال الجريء وإدارة الأصول والحوكمة البيئية والاجتماعية وهي مجالات تزداد أهميتها في الاقتصاد السعودي مع توسع صندوق الاستثمارات العامة ونمو الشركات المدرجة وقطاع التمويل الأخضر.
أما في مجال البحث العلمي فإن المشكلة تتكرر وبحدة حيث تعاني أكثر الجامعات الناشئة من ضعف كبير في إتاحة قواعد البيانات المتخصصة التي يحتاجها أعضاء هيئة التدريس والطلبة في إجراء أبحاث تطبيقية ذات جودة عالية. البحث العلمي في التمويل لا يقتصر على قراءة المقالات والنظريات لكن يتطلب القدرة على تحليل بيانات سوقية حقيقية باستخدام أدوات معترف بها عالمياً. هذا النقص ينعكس على جودة الأوراق المنشورة ويحد من فرص النشر الدولي ويقلل من فرص التعاون مع المؤسسات الأكاديمية والمالية العالمية.
ولمعالجة هذه الفجوة يمكن للجامعات الناشئة أن تتبنى خطوات عملية تبدأ بإعادة هيكلة موازنات الكليات وتخصيص جزء منها لتجهيز معامل حاسوبية مالية وربط هذه المعامل بمنصات تداول وهمية أو فعلية لتدريب الطلبة. كما يمكن السعي لعقد شراكات مع مؤسسات مالية محلية ودولية للحصول على رخص أكاديمية بأسعار تفضيلية من هذه المنصات وهو أمر معمول به في العديد من الجامعات حول العالم. ويمثل التعاون بين الجامعات الكبرى والناشئة قناة مهمة لنقل الخبرة والتقنيات سواء عن طريق مبادرات تبادل الموارد أو تقديم التدريب المهني المشترك.
أخيراً إذا كانت السعودية تتجه لبناء اقتصاد معرفي متكامل وتنويع مصادر دخلها فإن الاستثمار في البنية التحتية العلمية لأقسام الإدارة المالية في الجامعات الناشئة لا ينبغي أن يُنظر إليه كخيار إضافي ولكن كضرورة ملحّة. فالكوادر الوطنية المدربة على أدوات التحليل المالي الحديثة قادرة على قيادة القطاعات الاقتصادية الناشئة ودعم المؤسسات في اتخاذ قرارات استثمارية أكثر كفاءة واستناداً إلى بيانات دقيقة وهو ما يمثل جوهر المرحلة القادمة في التنمية الاقتصادية للمملكة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال