3666 144 055
[email protected]
لا أستطيع أن أحصي عدد المرات التي كتبت فيها عن وزارة الإسكان منذ أن كانت هيئة، وفي كل مرة أشعر أنه لا أمل من الكتابة حول هذه الوزارة فليس لميت بإيلام، ولن يتغير الوضع أبداً والمشكلة تزيد عاماً بعد عام والحلول الممكنة تتقلص شيئاً فشيئاً.
نحن تقريباً في منتصف السنة الرابعة منذ أن وعد خادم الحرمين حفظه الله المواطنين ب 500 ألف وحدة سكنية ورصد لها 250 مليار ريال، وبعد مرور كل هذه الأعوام لم نجد شيئاً نتوقف عنده بل تبدلت الخطة الاستراتيجية للوزارة عدة مرات، حتى أنني لا أعلم نحن نطبق أي خطة إسكان في الوقت الراهن، والوضع يستفحل ولا أحد يحرك ساكناً. بالطبع الآن حتى لو وفرنا نصف مليون وحدة سكنية فلن تكفي فخلال السنوات الأربع الأخيرة ازداد الطلب وتغيرت المقاييس.
نحن أمام مشكلة كبيرة تؤثر على الاستقرار والأمن الوطني والبعض يبحث عن شماعة يعلق عليها فشل وزارة الإسكان، فتارة يتحدثون عن أسعار الأراضي وارتفاعها وتارة يلومون المقاولين الذين لا يفكرون إلا في الربح والوزارة تنقلنا معها من وعد لآخر وتدفع بالتصريحات الرنانة في وسائل الإعلام وهي مطمئنة أن ذاكرة المجتمع ضعيفة وسرعان ما ستنسى التصريحات.
الأمر الذي فات على وزارة الإسكان أن قضيتها مرتبطة بهموم الناس اليومية واستقرارهم الاجتماعي والنفسي وهو ما سيجعل ذاكرتهم قوية ومتابعة لكل ما ينطق به مسؤولوها.
لن أعود لمشاريع الإسكان التي سمعنا حولها جعجعة كبيرة ولم نرَ أي شيء منها، فقد تخلت الوزارة عن الفكرة وقررت أن تقدم أرضاً وقرضاً وعلى كل مواطن أن يدبر حاله ويبحث عن التصميم والمقاول المناسب لمسكنه ووعدت المواطنين أن سياستها الأخيرة سوف تغير من معادلة السوق العقاري وأنها ستعمل على تخفيض أسعار الأراضي، وطبعا لم يحدث شيء ولن يحدث شيء لأني لو جمعت تصريحات مسؤولي الوزارة ووعودهم سوف أكتب كتاباً وسوف أسميه “تصريحات إسكانية للتسلية”.
الغريب أنني صرت أمر على بعض المدن السعودية وأرى أراضي مسورة ب”شبوك” ويقال لي إنها محجوزات وزارة الإسكان ولا أجد فيها أي عمل، بينما الناس لديهم قناعة أن الوزارة سوف تخطط هذه الأراضي وسوف توزعها على المواطنين المستحقين، لكن متى، هذا طبعاً في علم الغيب. تذكرت العقود المليارية التي وقعتها وزارة الإسكان مع استشاريين “عالميين” لتصميم وتطوير هذه الأراضي فقلت لننتظر مع المنتظرين فلعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.
عودة وزارة الإسكان لسياسة الأرض والقرض هي عودة إلى مسألة البناء الفردي الذي كان مرفوضاً من قبل العديد من المهتمين بالمسكن على المستوى التخطيطي والاقتصادي، فهذه السياسة لا يمكن أن تلبي الطلب المرتفع وسيكون هناك هدر اقتصادي كبير، أنا شخصياً أعتقد أن البناء الفردي مقبول لو وضعت ضوابط وكان ضمن فلسفة مرتبطة بالتخطيط والتطوير الشامل، ومع ذلك لابد أن أقول إن الانتقال السريع لوزارة الإسكان من فكرة إلى أخرى ومن استراتيجية تطويرية شمولية إلى تطوير أراضٍ فقط يضع علامات استفاهم كثيرة ويثير العديد من المخاوف المستقبلية حول مقدرة الوزارة على الوفاء بوعودها حتى لو كانت وعوداً بسيطة.
المشكلة هي أن الناس تعتقد أن وزارة الإسكان مهمومة بمشاكلهم وأن مسؤوليها لا ينامون الليل من كثرة الهموم التي تؤرقهم فهم مؤتمنون ويفترض أن يؤدوا الأمانة على خير وجه، وقد مرت السنوات والمشكلة تتضخم والحرج يزيد. لكنني لا أرى هذا الهم في الوزارة ولم يرتسم يوماً على وجوه مسؤوليها، والموضوع “تجريبي” فإذا صابت فلله الحمد والمنة وإن خابت فلا حول ولا قوة إلا بالله. ما أضحكني فعلاً هو أنني كنت قدمت محاضرة قبل عدة أسابيع حول التراث العمراني الوطني فسألني أحد الحضور ما إذا كنا نسقنا مع وزارة الإسكان كي تكون مشاريع الإسكان ذات حس وذوق وطني تراثي. الحقيقة لم أعرف كيف أجيب عليه لكنني قلت له: وهل وزارة الإسكان لديها مشاريع إسكان أصلاً كي ننسق معها، نسمع كثيراً ولا نرى شيئاً والناس تنتظر وتتوقع الأفضل وتمني نفسها بأن ما وعد به خادم الحرمين الشريفين سوف يتحقق في القريب العاجل.
هناك مسألة أفكر فيها كثيراً وهي أن وزارة الإسكان تعمل لحل قضية تمس الناس مباشرة وترتبط بحياتهم واستقرارهم الأسري لكنني لم أشاهد هذا الارتباط والتقارب على أرض الواقع، مازالت الوزارة تعمل كمؤسسة حكومية منعزلة عن الناس. هذه الإشكالية نبعت أصلاً من كون رؤية موظفي الوزارة منصبة على الجانب الاقتصادي والمسكن بالنسبة لهم أرقام وأعداد ومع ذلك لم ينجحوا في هذه المسألة ولا نعرف حتى هذه اللحظة رأسنا من أرجلنا في موضوع الإسكان ولا نعلم كم الأراض أو المساكن التي ستوفرها الوزارة ومن يستحقها.
المضحك المبكي هو التعليقات التي قرأتها مؤخراً حول التقديم على الدعم السكني والرسائل التي تلقاها الناس من الوزارة. فإذا كنت خارج المملكة لمدة 90 يوماً سواء كانت متصلة أو متقطعة فلا تستحق الدعم وإذا لديك أي عقار أو لدى زوجتك أو أحد زوجاتك عقار فتنتفي عنك صفة المستحق أي أن الوزارة تتوقع أن تسكن في بيت زوجتك إذا كانت مقتدرة.
أنا لا أعلم من أين أتت الوزارة بهذه المعايير لكنها يبدو أنها تريد أن تتأكد من عدم قدرة المستحق المادية على بناء مسكن خاص به دون اللجوء للوزارة.
أرى أن الوزارة “تتمحك” في تقديم المعونة السكنية التي لا تكفي أصلاً وأشعر أن الإعاقة تكمن في داخل الوزارة، إذ يبدو أنها مترددة ولا تستطيع أن تتخذ قراراً وكأن هذه المعونة لا يستحقها المواطنون.
نفس الإعاقة كانت موجودة عندما بدأت الوزارة في بناء مشاريع الإسكان، فالتعثر نابع من ثقافة الوزارة الإدارية وليس لأن هناك شحاً في الأراضي أو السيولة النقدية أو هناك عوائق تنظيمية وقانونية العوائق تكمن كلها في الذهنية الإدارية التي تتصف بها وزارة الإسكان، فمن هنا يبدأ الخلل ومن هنا يجب أن يبدأ الحل.
نقلا عن الرياض
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734