3666 144 055
[email protected]
هوَّن المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية في تصريحات مشهورة أطلقها في شهر سبتمبر الماضي، هون من تداعيات انخفاض أسعار البترول. لم يوافق كثيرون الوزير النعيمي على تهوينه، بل رأوا العكس. ربما كان أشهر هؤلاء الأمير الوليد بن طلال، الذي قال في حسابه في “تويتر” في 13 أكتوبر الجاري “مجلس الوزراء السعودي الموقر ميزانية الدولة ستواجه عجزا في 2015 إن لم يكن 2014 بسبب انخفاض سعر البترول، الحلول مرفقة”.
وجدت فيما صرح به الوزير وعلق عليه الأمير، فرصة لمحاولة الإجابة عن سؤال يطرح بقوة في وسائل الإعلام الغربية. وجوهر السؤال: ماذا في أذهان السعوديين؟ سؤال عما يدور في أذهان صانعي القرار السعوديين تجاه الأحداث الأخيرة لسوق النفط.
كتب وقيل الكثير عن دور السعودية في انخفاض أسعار النفط. وهذا ليس وليد الساعة. لكننا نفرق بين دور عام للسعودية في سوق النفط معروف على مدى عشرات السنين. ولا خلاف في كون سياسات المملكة من المحددات الرئيسية لأسعار النفط. الكلام هنا في هذا المقال ليس عن هذا الدور العام، بل عما حصل تخصيصا في الآونة الأخيرة. ومن المهم الإشارة إلى أن القائلين والكاتبين عن دور المملكة لا يجهلون أو يتجاهلون عوامل أخرى لها دور في انخفاض السعر موضع الحديث. وتتلخص هذه العوامل في انخفاض الطلب العالمي وأهم أسبابه ضعف النمو في الصين ومشكلات أوروبا الاقتصادية وانخفاض نسبي في تكلفة إنتاج الولايات المتحدة مما يعرف غالبا باسم “النفط الصخري” مقرونة بزيادة إنتاجه زيادة ملحوظة.
وحسب علمي، فإن أشهر تفسير أو نظرية تفسيرية لدور السعودية القول إننا نحن السعوديين خاصة ومجلس التعاون بصفة عامة، تعمدنا بصورة ما ولمصلحتنا التصرف بما يتسبب في انخفاض أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة. وسواء تعمدنا أو لم نتعمد، فإن الأمور جرت هكذا. والرأي السائد في وسائل الإعلام الغربية، على الأقل ما اطلعت عليه في المشهورة من أمريكية وبريطانية كوول ستريت وفاينانشيال تايمز، أننا نحن السعوديين نرحب بهذا الانخفاض لأسباب خارجية جيوسياسية، وتحديدا اختبار مواقف وتوجهات منتجين منافسين، والإضرار بدول تصرفاتها مصدر أذى لنا – أي السعوديين.
كيف، أو من أين للإعلام الغربي هذا القول؟ استند إلى تصريحات المهندس علي النعيمي وزير البترول قبل نحو شهر، عندما نزلت الأسعار إلى دون 100 دولار للبرميل، بأنه غير قلق، ورؤي أن كلامه يعبر عن سياسة دولة. واستندوا إلى رفض خفض الإنتاج من جهة، وإعطاء تخفيضات في أسعار التصدير من جهة أخرى. وهذا يعني، لدى المراقبين، وجود نوع من حرب أسعار، مؤقتة بطبيعتها.
من الصعب الاقتناع لدى هؤلاء أن الرياض خارج اللعبة. رد فعل الرياض له تداعيات على الأسعار.
لماذا تصرفت السعودية كما تصرفت؟
يرى مراقبون كثيرون أن السعودية تتوقع الفوز في حرب الأسعار (وهي مؤقتة بطبيعتها) هذه، لسببين: الأول أن تكلفة الإنتاج متدنية نسبيا، والثاني أن لديها احتياطات هائلة من النقد الأجنبي، تبلغ مئات المليارات من الدولارات.
هناك مناقشة من نوع آخر. مناقشة تستند إلى أن تصرف السعوديين هو الأنسب من وجهة اقتصادية وليس سياسية.
يرفض كثيرون ومنهم بيل فارن، الرئيس التنفيذي لشركة استشارية في مجال النفط، ولديه خبرة واسعة في متابعة سلوك “أوبك” وأعضائها، يرفضون التفسيرات لسلوك السعودية المستندة جوهريا إلى نظريات وانعكاسات سياسية، بل يرونها انعكاسا لوقائع السوق.
مع انخفاض الأسعار، فإن السعودية لديها خياران: إما أن تقبل أسعارا منخفضة نسبيا، لتحافظ على حصتها من السوق، أو أن تخفض الإنتاج وتضحي بحصتها السوقية لتحمي أسعارا أعلى للنفط. يرون أن السعودية تبنت الخيار الثاني.
زيادة في التوضيح، يرون أن خفض الإنتاج خفضا بينا، يعتبر شبه انتحار. حركة السوق هي السبب الأول لانخفاض الأسعار. من الممكن التأثير على حركة السوق بخفض الإنتاج ومن ثم محاولة المحافظة على سعر في حدود 100 دولار. لكن الطلب العالمي ضعيف نسبيا، ومن ثم سيجب على السعوديين خفض الإنتاج مرة تلو المرة للمحافظة على السعر المستهدف. ولهذا تبعاته الشديدة السلبية.
المحافظة على أسعار مرتفعة يعني تحفيز المزيد من إنتاج النفط الصخري الأمريكي، ويعني تحفيز منتجي النفط الآخرين على زيادة إنتاجهم، ويعني إضعاف الطلب العالمي على البترول. سيحدث ذلك على حساب حصة السعودية في السوق. وللسعوديين تجربة مريرة في الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي. كانت الأسعار في انحدار، وسعت المملكة لحمايتها، فكانت النتيجة تدهور إنتاج المملكة من نحو تسعة ملايين برميل يوميا إلى نحو ثلاثة ملايين.
بإمكان الدولة التأقلم بسهولة نسبيا على أسعار في حدود 80 إلى 90 دولارا. أما انخفاض الأسعار لفترة طويلة إلى حدود 70 فمصدر قلق بين. وأما انخفاضها دون 70 دولارا للبرميل لسنوات وليس لفترة قصيرة، فله تبعات سيئة قوية، ويتطلب التصرف القوي على نحو ما. هل يحدث ذلك؟ سؤال مطروح، وأهم من طرحه الاستعداد له.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734