الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تناولت في مايو من هذا العام ظاهرة الاقتصاد الخفي، حيث كانت التقديرات الأولية حينها تشير إلى أن حجمه سوف يصل هذا العام إلى 534 مليار ريال. وقتها ذكرت انه قد يكون من السابق لأوانه المبالغة في القلق لأن إحصاءات آخر العام قد لا تكون على ذلك النحو. ولكن هذا لم يتحقق للأسف الشديد. فكما تفيد آخر الاحصائيات فإن حجم الاقتصاد الخفي خلال هذا العام سوف تصل إلى 549 مليار ريال. أي بزيادة نسبتها 3% تقريباً عن توقعات النصف الأول من العام. وحتى تتضح الصورة بشكل أفضل قد يكون مناسباً أن نباعد المسافات الزمنية. فنحن لو قارنا حجم اقتصاد الظل هذا العام مع حجمه عام 2008، حينما وصل إلى 364 مليار ريال، فإننا سوف نلاحظ أنه قد نمى خلال الست سنوات الماضية بنسبة 51% تقريباً.
وهكذا فإن هذا الغول يترعرع ولا يتراجع رغم كل التدابير التي تتخذها الحكومة. فنحن خلال الفترة الماضية قد لاحظنا مدى النشاط الذي بذلته وزارة العمل لتشجيع توظيف السعوديين في القطاع الخاص. وهذا كان من المفترض أن يؤدي إلى الحد من نمو اقتصاد الظل. وذلك على أساس إن الاستقدام قد أصبح مرتبطا بالسعودة. بيد أن المفروض شيء والواقع شيء أخر. فمن الواضح أن ربط الحصول على التأشيرات بنسب معينة من سعودة الوظائف ومستوى مقبول لأجور العمالة الوطنية لم تؤد إلى الحد من نشاط اقتصاد الظل.
بالعكس فنحن حينما ضيقنا على أصحاب الأعمال وأجبرناهم قسراً على رفع نسبة السعودة في منشأتهم فإننا قد ساهمنا عن قصد أو بدون قصد في تقليص الانفاق الاستثماري الخاص الذي يعتبر أحد مكونات الناتج المحلي الإجمالي – وذلك نتيجة انخفاض العائد على رأس المال. ولكن ما الذي يعنيه تراجع هذا الإنفاق غير انخفاض مساهمة قطاع الأعمال في الاقتصاد وارتفاع نسبة البطالة من جهة وخلق أفضل الظروف لنمو وازدهار الانفاق الاستثماري الخاص غير العلني من جهة أخرى. فالفراغ الذي يتركه قطاع الأعمال العلني يتيح أفضل الفرص لاقتصاد الظل كي يحل محله. بل إنه من غير المستغرب، في ظل هذه الأجواء، أن تتحول بعض شرائح القطاع الخاص لممارسة نشاطها جزئياً أو كلياً من العلن إلى الخفاء وذلك من أجل تحقيق عائدات مجزية على رأس المال الموظف.
إنه من غير الممكن أن تنجح السياسات الاقتصادية التي نتخذها ما لم نأخذ الواقع القائم بعين الاعتبار. فنحن لا نستطيع التأثير على نشاطات قطاع الأعمال وتوجيهها لتحقيق التنمية المستدامة ما لم نضع في حسابنا أن هناك قطاعين أو شريحتين من أصحاب الأعمال: علنيه وخفيه. فاقتصاد الظل الذي يصل ناتجه المحلي الإجمالي إلى نصف ما ينتجه القطاع الخاص تقريباً يمكنه ابطال مفعول الكثير من القرارات والخطط المتخذة أو التأثير على مجراها بالسالب على الأقل.
ولهذا، والحالة تلك، فإنه أمامنا خياران: اما القضاء على اقتصاد الظل وهذا غير ممكن كما تدل على ذلك التجربة أو الاعتراف به أو بالجزء المنتج منه وشرعنته ضمن ضوابط مناسبة لذلك.
نقلا عن الرياض
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال