3666 144 055
[email protected]
AbdullahHabter@
في هذه الأيام لا يكاد يخلو نقاشا في الشأن الاقتصادي سواء المحلي أو الدولي، إلا والنفط يتصدر قائمة أولوياته، نتيجة للانخفاض الحاد في أسعاره ، وأصبح الكثير من المحللين في حيرة إلى أين ستتجه الأسعار مستقبلا، هل هذه فترة هدوء للسوق؟، يعقبها صعودا في الأسعار، أم أن هذه فترة ركود سرعان ما تؤدي لمرحلة هبوط أخرى، وفي خضم ذلك تباينت أراء بعض المحللين بين من يربط بين هذا الانخفاض وبعض القضايا السياسية، بل ذهب البعض إلا أن هذه فترة تصحيح ، تعاود الأسعار بعدها مرحلة صعود أخرى.
حينما نتحدث عن النفط فنحن نتحدث عن سلعة هي الأكثر تداولا في العالم، وأحيانا ما تخالف أهم مفاهيم علم الاقتصاد والمتمثل في العرض والطلب، وفي هذا المقال بإذن الله سنقدم تحليلا منطقيا وأكثر وضوحا نستنتج من خلاله – والعلم عند الله وحده – إلى إي اتجاه نتوقع أن تأخذه أسعار النفط مستقبلا، لذا ينبغي أن نتطرق لثلاث عوامل رئيسة – ولو بشكل موجز – ، هي الأكثر تأثيرا في حركة الأسعار ، من خلالها يمكننا الوقوف على الأسعار المتوقعة مستقبلا، وهذه العوامل هي (المضاربات (البورصة) – العرض والطلب – تسويق المنتجين).
يظن الكثير أن النفط كأي سلعة يتم دفع قيمتها فورا خلاف التسليم الذي قد يكون في الوقت نفسه أو مستقبلا، فالنفط من السلع الذي يتم التعامل فيها من خلال عقود الخيارات التي تندرج تحت ما يسمى بالعقود المستقبلية، ولكن ما هو عقد الخيار وماذا يتميز به؟
عقد الخيار (Option Contracts) هو (ورقة مالية) بين طرفين – بائع ومشتري – يتم بموجبه الاتفاق حول بيع أو شراء كمية محددة من سلعة معينة وبسعر محدد (عادة سعر السوق أثناء العقد) ، على أن تتم التسوية – تسليم قيمة السلعة واستلام السلعة – مستقبلا ، وبصرف النظر عن سعر تلك السلعة وقت التسوية.، وعقد الخيار يمنح صاحبه الميزات التالية :
1-أن يبيعه لمستفيد آخر، وهذا يؤدي إلى ما يسمى بالمضاربات
2-تنفيذ العقد حسب تاريخ الاستحقاق وهو ما يسمى بالتسوية
3-أن لا يرغب صاحب العقد في تنفيذه خصوصا عندما يكون هناك مخاطرة من تنفيذه، كالسعر مثلا، وهذا ما يعرف بالتحوط ضد المخاطر وهو أهم ما يميز عقود الخيارات ، وهذا من جهتين
*فمن جهة المشتري (Call Option) أن يكون السعر في العقد أكبر من سعر السوق مما يجعل المشتري في مخاطرة من تنفيذ العقد، فبإمكانه عدم تنفيذه.
*أما من جهة البائع (Put Option) أن يكون السعر السوقي أعلى من سعر العقد مما يمكنه من عدم تنفيذ العقد وبيعه بسعر السوق مما يجعله يحقق ربح أعلى.
ونتيجة لما تتميز به عقود الخيارات من منح صحابها حق البيع جعلت منها ورقة مالية يتم تداولها في البورصة الأمر الذي جعل منها محط أنظار المضاربين نتيجة لوجود عوامل مساعدة مثل انخفاض سعر الدولار، والقلق الذي أصاب المشترين الحقيقيين من أسعار النفط المتزايدة، مما أدى إلى نشاط في حركة الشراء للتحوط ضد أخطار نقص الإمدادات ، الأمر الذي أدى أن يصل سعر البرميل إلى ما يقارب 150 دولار.
وقد حدث انهيار لأسعار النفط خلال العقد الماضي فبعد أن قرب سعر البرميل من سقف 150 دولار إذ به ينهار إلى أقل من 40 دولار للبرميل وذلك خلال أقل من سنة، وكان ذلك في منتصف 2008 بسبب الأزمة المالية العالمية رغم أن الطلب على النفط في تلك الفترة يفوق العرض ، ثم بدأت الأسعار تتعافى قليلا بداية 2009 ، إلا أنها لم تصل إلى حدودها المعهودة، وفي الفترة الحالية أخذت أسعار النفط بالانخفاض حتى قاربت 50 دولار للبرميل، والشكل أدناه يبين حركة أسعار النفط ، واللون الأحمر يوضح ذلك الانخفاض الذي حدث في 2008 ، وفي 2014 .
وبلا شك أن للمضاربات الدور الأكبر في الارتفاع والانخفاض – الانهيار – الذي حصل في أسعار النفط ، نتيجة للعوامل التي ذكرناها سابقا، وباستعراض الشكلين التاليين، والذي يبين الأول حجم التبادل في عقود خيارات النفط ، بينما يبين الآخر عقود النفط التي لم تتم تسويتها ، استنادا لبورصة نيويورك للأوراق المالية.
فمن خلال الخط الأسود في الشكل أدناه، والذي يعطي صورة أكثر وضوحا حول اتجاه حجم التبادل في بورصة النفط، نجد أن تلك المضاربات في عقود الخيارات النفطية آخذة في الانخفاض، مما يدل على عزوف المضاربين عن الاستثمار في العقود النفطية، نتيجة للمخاطر التي تكتنفها ، مما يعني أن هناك قلقا في الأسواق من احتمال أن تنخفض الأسعار مجددا دون مستواها الحالي.
أما فيما يخص عقود خيارات النفط التي لم تتم تسويتها فنلاحظ أيضا من خلال الخط الذي باللون الأسود في الشكل أدناه، والذي يبين ذلك الانخفاض في عدد تلك العقود، مما يعني أن هناك احتمالان:
الأول انخفاض المضاربات في تلك العقود، والثاني ضعف الطلب على النفط، وهذا بدوره سيلقي بضلاله وسيؤثر سلبا على أسعار النفط مستقبلا ، إذا استمر الوضع في الأسواق بهذا الشكل.
أما فيما يتعلق بالعرض والطلب على النفط، فمن الواضح أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الدول المنتجة سواء من أعضاء منظمة أوبك أو خارجها، خصوصا القياديين في السوق حول تخفيض الإنتاج، بغية منع الأسعار من التدهور، ومحاولة التأثير على الأسعار بالارتفاع، وهذا يؤدي إلى وفرة في المعروض النفطي، مما ينعكس سلبا على الأسعار، في المقابل نجد أن الطلب على النفط قد يتأثر سلبا نتيجة لما تعانيه الدول الصناعية الكبرى من احتمال انخفاض في معدلات النمو في اقتصادها، كالصين واليابان وكوريا وأغلب دول الاتحاد الأوروبي.
أما فيما يخص السياسات المتبعة من قبل الدول المنتجة في تسويقها لنفطها، نجد أن بعضها قد تمنح عملائها أسعارا قد تقل عن أسعار البورصة، والسبب في ذلك هو المحافظة قدر الإمكان على العملاء، وعدم خسارتهم لصالح منتجين آخرين.
بقي أن أشير إلى أمر مهم، له تأثير أكبر على الأسواق دون استثناء ومن ضمنها السوق النفطية، وهو احتمال رفع سعر الفائدة الأمريكية في 2015 ، وما سيتبعها من آثار على الاقتصاد العالمي، وبإمكان القارئ الرجوع إلى مقال نُشر لي سابقا من ثلاث حلقات حول تأثير سعر الفائدة الأمريكية بعنوان ” النفط بين انتفاضة المضاربين وشبح الفائدة “.
ومن خلال تلك العوامل السابقة سنشهد والعلم عند الله وحده انخفاضا آخر للنفط ، وهذا الانخفاض قد لا يكون يسيرا كما يتوقعه البعض، ولكن السؤال ، هل يستطيع اقتصادنا تحمل ذلك إذا استمرت الأسعار دون 30 دولار لبضع سنين.
حـبتر
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734