الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تطرقنا سابقا في مقال “كيف تمحق الحوكمة الفساد” إلى ثمان مباديء حوكمية لضبط المؤسسات و إحتواء الأزمات و محق الفساد. مباديء الحوكمة هي (1) الهدفية الإستراتيجية ، (2) الوكالة التمثيلية ، (3) القيادة الأخلاقية، (4) العدالة المهنية ، (5) الإمتثال المعياري ، (6) المسائلة الإدارية ، (7) الشفافية الذكية ، و (8) التنمية المستدامة. المقال السابق بين إن تطبيق المباديء يتطلب بنية تحتية من التطبيقات المعلوماتية و الرقمية. بالرغم من قدرت الشركات الكبيرة على تمّلك تلك التطبيقات، قإن الشركات المتوسطة و الصغيرة تواجه تحديات كبيرة في تطبيق الحوكمة بسبب محدودية الإيرادات و الموظفين و وقت العمل. فهذا المقال سيقدم مواصفات الحوكمة التي يجب على الشركات الكبيرة تطبيقها، ثم سيفاضل بين الشركات الكبيرة و كلا من الشركات الصغيرة و الشركات المتوسطة لإظهار نظائر الحوكمة التي تحقق تطبيق المباديء الثمان لكن تختلف في الإجرائات بما يلائم الشركات الصغيرة و المتوسطة.
تطبيقات الحوكمة الكبيرة
التصنيف الدولي يُعرّف الشركات الكبيرة على أنها مؤسسة تُدير أكثر من ألف موظف و تكسب إيرادات سنوية تفوق العشرة ملايين دولار. ميثاق الملك (الكنج) للحوكمة في جنوب أفريقيا يؤكد أن الحوكمة في الشركة الكبيرة تبدأ بتشكيل مجلس إدارة لا يمثل المساهمين فحسب بل يمثل جميع أصحاب المصالح في الشركة. حوكمة مجلس الإدارة ينبغي أن تكون لها آلية إدارية لإدماج أصحاب المصالح في عملية صنع القرار الإستراتيجي. أصحاب المصالح في الشركة تشمل المساهمين و المستثمرين و الموظفين و العملاء و الزبائن و الموردين و المدققين و النقباء و الإعلاميين.
أغلب مواثيق الحوكمة ، و الملك مثال ، تلزم الشركات بوجود لجنتين تتبع مجلس الإدارة من أجل الإلتزام بأساسيات الحوكمة. لجنة تدقيق تراقب الإمتثال المالي و لجنة حوكمة تُفعّل المسائلة الإدارية و التنمية المستدامة في الشركة. العديد من المواثيق يوصي بوجود لجنة ترشيحات و لجنة مكافئات إلا أن تلك اللجنتين يمكن دمجهما في لجنة الحوكمة أو جعلهما لجان فرعية تتبع لجنة الحوكمة. خيارات الدمج و الفصل للجان تعتمد على تعقيدات عملية صنع القرار في الشركة و أليات إندماج و تمثيل أصحاب المصالح في تلك القرارات.
كتابنا الصادر في 2014 تحت عنوان ” العملية الثلاثية لصناعة قيادة المؤسسة” طرح نموذج مبتكر للجنة الحوكمة في الشركات الكبيرة. النموذج يشمل على خمس وحدات عمل. أولا، وحدة إستراتيجية تُدبر الأمور الإستراتيجية و تُدير وكالات التمثيل لاصحاب المصالح في الشركة. ثانيا، وحدة مراقبة تراقب الإمتثال المعياري و الشفافية الذكية. ثالثا، وحدة تحكيم تُفعل المسائلة الإدارية و العدالة المهنية. رابعا، وحدة الإرشاد ترعى التنمية المستدامة و القيادة الأخلاقية. خامسا، وحدة الأزمات تضمن إستمرارية الأعمال و إدارة المخاطر. كل وحدة من الوحدات الخمس يجب أن تُجَّهز بمنصات رقمية و تطبيقات معلوماتية معاصرة ترتبط بعضها ببعض لتشكيل نظام الحوكمة المعاصر. هذا المقال سيعرض تطبيق كل وحدة من الوحدات الخمس على حده.
مركز بات للأبحاث يوصي لجنة الحوكمة في الشركات لإيجاد وحدة إستراتيجية تدبر شؤون لوحة رقمية لبطاقة القياس المتوازن لإستراتيجية الشركة. اللوحة الرقمية تمكن مجلس الإدارة و الإدارة التنفيدية لمراقبة الأداء العام للشركة من أربع جوانب هي الجانب المالي و الجانب التسويقي و الجانب التشغيلي و الجانب البشري. رغم أن اللوحة الرئيسية تُظهر المؤشرات العامة إلا أنها متصلة بمتتابعة من بطاقات القياس المتوازن لكل إدارة و فرع و شركة تابعة للشركة الأم. الوحد الإستراتيجية في لجنة الحوكمة تعمل على إعداد التقارير الوصفية و التحليلية للإنجازات الشركة الإستراتيجية من خلال تحليل الأرقام و الرسومات البيانية و نتائج المؤشرات لتعطي مجلس الإدارة صورة واقعية عن وضع الشركة و تزودهم بالتوقعات المستقبلية و التوصيات من أجل تحسين الأداء الإستراتيجي في الشركة.
خبيرة الحوكمة في شركة ديليجينت (لاكشنا راثود) أصدرت مجموعة مقالات مفادها أن لجنة الحوكمة يجب أن يكون فيها وحدة مراقبة ترتكز على منصة ذكية لإدارة وثائق الشركة. هذه المنصة تحفظ إلكترونيا جميع قواعد البيانات و معلومات و وثائق الشركة في نظام معلوماتي مركزي. هذه المنصة تستطيع تنظيم تدفق المعلومات بين الشركة الأم و الشركات التابعة أو بين شركات المانحة و الحاصلة على لإمتياز التجاري. المنصة يجب أن تسهل عرض متطلبات الإمتثال المعياري للسياسات و القوانين و المواثيق المعتمدة في الشركة. المنصة أيضا تساعد لتنظيم جدولة التدقيق المعياري و إشعارات و تأكيدات تنفيذ السياسات و متطلباتها. المنصة يجب أن تكون مزودة ببطاقة قياس الإمتثال التي تظهر بالأرقام نسبة و فعالية تطبيق كل معيار دولي أو محلي يخص الشركة. راثود تشدد على أن وحدة المراقبة يجب أن تستخدم منصة إدارة الوثائق من أجل تعزيز التواصل الشفاف الذكي بين جميع أصحاب المصالح في الشركة. هذه المنصة يمكن أن تنظم إنشاء محاضر الإجتماعات بشكل إلكتروني ذكي. وحدة المراقبة يمكنها أن تتحكم في مستويات الوصول و الحصول على معلومات الشركة بحسب مستوى حساسية المعلومة و التخويل الوظيفي. وحدة المراقبة يجب عليها أيضا مراقبة تضارب المصالح من خلال متابعات وثائق الإفصاح الخاصة بكل صاحب مصلحة في الشركة.
مؤتمر الأمم المتحدة الثالث عشر الذي أنعقد في دولة قطر عام 2015 تطرق لضرورة تأسيس وحدة تحكيم في لجنة الحوكمة و تدير نظام كشف الفساد في الشركة. نظام كشف الفساد يقدم خدمات تمكن أصحاب المصالح في الشركة لتبليغ عن السلوكيات اللاأخلاقية أو اللاقانونية في الشركة مثل النصب و الإحتيال و التمييز و التحرش و التنمر. شركة إنجي العالمية عرضت في موقعها نظام مميز من أجل الكشف عن الفساد. نظام كشف الفساد في إنجي يعتمد على مزود خدمة خارجي يتيح خط تلفوني ساخن و بريد إلكتروني أمن و سحابة رقمية لتحميل الوثائق بشكل سري و خاص. مزود الخدمة الخارجي يستقبل بلاغات كشف الفساد ثم يرسلها إلى وحدة التحكيم ليتعامل معها وفق أحد البروتكولات الثلاث. البرتكول الأول هو التعامل مع قضية الفساد مع إخفاء معلومات المبلغين عن الفساد. عندما تجد وحدة التحكيم بوجود شبهات جنائية تقتضي شهادة المبلغين عن الفساد، فإن وحدة التحكيم تلجأ للبرتكول الثاني بعقد لجنة تحقيق داخلية تنظر في الإدلة و الشهادات بشكل سري. عندما تقرر لجنة التحقيق الداخلي نقل القضية للنيابة العامة أو المحكمة، تقوم وحدة التحكيم بتنفيذ البروتكول الثالث بإجرائات الإفصاح المحوكم عن حيثيات القضية في الإعلام العام.
خبيرة التنمية البشرية المستدامة ( ميندي برايس) طرحت تجربة تطبيق نظام تخطيط التعاقب الوظيفي لتعزيز دور وحدة الإرشاد في لجنة الحوكمة. النظام الذي طرحته برايس يقتضي بوجود منصة رقمية تصنف التعاقب الوظيفي إلى ثلاث خطط. الخطة الأولى تضع برامج تطوير الكوادر للمناصب القيادية مثل عضو مجلس إدارة أو لجنة منبثقة أو رئيس تنفيدي أو نائب رئيس أو مدير دائرة. الخطة الثانية تضع برامج تأهيل الكوادر للمناصب التنفذية في صفوف الإدارة المتوسطة و الدنيا بالإضافة للوضائف التخصصية و الحرفية. الخطة الثالثة تضع برامج إحلال الكوادر المؤقته في ظروف الأزمة و الكوادر المؤقته تشمل المتقاعدين و المتعاقدين و المتطوعين و الجنود و الطلبة . ليندا جيناك الرئيسة التنفيذية لشركة تالنت جادر المتخصصة في المنصات المعلوماتيه لإدارة الموارد البشرية تقول أن المنصة المعلوماتية لنظام تخطيط التعاقب الوظيفي لابد أن تحتوي على لوحة رقمية ذكية . هذه اللوحة تظهر الكوادر لكل منصب في الشركة على ثلاث مستويات: مستوى المتدرب ثم مستوى المتطور ثم مستوى المتأهل. اللوحة تظهر مستوى الكادر لكل منصب بتبيان البرامج التدريبية التي أجتازها و البرامج التدريبية التي يحتاجها. اللوحة أيضا تظهر تقييم كفائات الكادر في إدارة الذات و إدارة المهمات و إدارة العلاقات. المنصة ممكن تتيح خدمات إرشادية للكوادر من خلال تلقيهم النقد البناء من الموجهين و المدراء و المرؤوسين.
طرحنا في مقالنا “الوحدة الحوكمية لإدارات الأزمات” ضرورة وجود وحدة إدارة أزمات في لجنة الحوكمة. وحدة إدارة الأزمات هي مهم لتنفيذ إستراتيجية إحتواء الأزمة و خطة إستمرارية العمل و منهج إسترداد العمل في النكبات. الوحدة يجب أن تعمل من خلال نظام معلوماتي لتخطيط إستمرارية الأعمال. هاورد زيف و هو نائب الرئيس التنفيذي لشركة إس أ أي المتخصصة في تصميم الحلول التقنية لإدارة الأزمات و إستمرارية الأعمال يقول الشركات يجب أن تُحوكم إدارة الأزمات بنظام معلوماتي لتخطيط و متابعة إستمرارية الأعمال. هذا النظام يجب أن تكون لديه لوحة رقمية تعرض خريطة سير الأعمال في وحدات العمل مع تببين فترة تحديث البيانات و فترة الإنقطاع القصوى و فترة إسترداد العمل المثالية. نظام إستمرارية الأعمال يجب أن يكون مزود بجهاز تأهب ينبه الفريق المسؤول عن إسترارد العمل عن وجود إنقطاع في وحدة عمل معينة و يسهل عليهم عقد إجتماع طاريء داخل غرف إفتراضية. نظام إستمرارية الأعمال يجب أن يكون نظام معلوماتي ذكي في الإرشاد عن سيناريوهات خطة إسترداد العمل لكل أنواع المخاطر المحتملة التي قد تصيب نظام العمل بشكل جزئي أو كلي. ففريق إدارة الأزمة بإستخدام هذا النظام لا يعاني من صعوبة من معرفة و متابعة خطوات عمل الخطة الازمة لتعامل مع الحادث او الكارثة و منهج إستمرار العمل فيها لحين إسترجاع سير العمل لمساره الطبيعي.
تطبيقات الحوكمة الصغيرة
التصنيف الدولي يُعرّف الشركات الصغيرة على أنها مؤسسة تُدير أقل من مائة موظف و تكسب إيرادات سنوية تقل عن خمسة ملايين دولار. المنتدى العالمي لحوكمة الشركات عقد عام 2011 في دبي مؤتمر بعنوان ” تشجيع حوكمة الشركات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: تجارب وحلول”. المؤتمر أكد أن الحوكمة ليست مقتصرة على الشركات الكبيرة بل هي ضرورية للشركات الصغيرة و المتوسطة أيضا. الحوكمة تمكن الشركات الصغيرة و المتوسطة من إستقطاب المستثمرين و تحفيز الموظفين و تنمية المؤسسة و إدارة مخاطر القرارت.
إلا أن الإشكالية ليست في الحديث عن أهمية الحوكمة للشركات الصغيرة و المتوسطة ، الإشكالية تكمن في عدم قدرة الشركات الصغيرة و المتوسطة على تفعيل الحوكمة بالتطبيقات التي تستخدمها الشركات الكبيرة. تلك التطبيقات تتطلب ميزانية و فرق عمل تفوق قدرات الشركات الصغيرة. و إذا ما أقدمت شركة صغيرة على تطبيقها فإن مردود الحوكمة سيكون عكسي في زيادت المصروفات و صعوبة صنع القرار و تشتت تركيز الموظفين عن الأعمال الجوهرية في الشركة. لهذا أكدنا في كتابنا ” العملية الثلاثية لصناعة قيادة المؤسسة” بإن المؤسسات بمختلف أحجامها عليه التركيز على تطبيق المباديء الثمان للحوكمة و ليس التركيز على تقليد الشركات الناجحة في تطبيق إجرائاتها و أنظمتها و أدواتها. الشركات الصغيرة يمكنها أن تطبق المباديء الحوكمية الثمان من خلال خمس تطبيقات بسيطة و هي كالاتي : (1) مجلس الحوكمة ، و (2) التدقيق المالي ، و (3) التدقيق لنظام الجودة ، و (4) بطاقة قياس متوازن و (5) مضبطة إجرائات الحوكمة.
البروفسور مورتن هوس و هو رئيس كلية الأبحاث الإدارية في جامعة ويتن الألمانية قد أصدر ورقة علمية في عام 2000 و فيها مراجعة لجميع أنواع مجالس الإدارة في الشركات الصغيرة و المتوسطة. البروفسور هوس يوصي الشركات الصغيرة بإن لا يكون بها مجلس إدارة كبير يثقل عملية صنع القرارت بل تستعيض به بمجلس حوكمة صغير متكون من ثلاث أعضاء فقط و هم الرئيس التنفيذي و رئيس إدارة المخاطر و رئيس الحوكمة الإدارية. الرئيس التنفيذي يقوم بإعداد بطاقة القياس المتوازن الإستراتيجية للشركة. ليس بالضرورة أن تكون بطاقة إلكترونية معقدة، بل يمكن أن يبدأ بتأسيسه ببرامج بسيطة مثل أكسل أو غيرها ثم يطورها تدريجيا. رئيس إدارة المخاطر في مجلس حوكمة الشركة الصغيره يلعب دور مماثل لرئيس المالي في الشركة الكبيرة ، حيث يقوم بمتابعة و مراجعة الحسابات المالية و التعاقد مع المدقق الخارجي و إصدار التقارير المالية. بالإضافة لهذه المهمات، فإن رئيس إدارة المخاطر يقوم بدراسة الأخطار الملازمة لقرارات الرئيس التنفيذي و إجراء محاسبة دورية لأداء الرئيس التنفيذي. رئيس الحوكمة الإدارية يقوم بالدور المركزي في حوكمة الشركة الصغيرة، حيث يقوم بضمان الإمتثال لمضبطة إجرائات الحوكمة و تطبيق نظام الجودة و التعاقد مع مدقق الجودة الخارجي. علما بإن في حالة الشركات الصغيرة جدا يكفي بأن يكون فيها مجلس حوكمة يضم الرئيس التنفيذي مع مدقق مالي خارجي و مدقق جودة خارجي. و أن هذا التنظيم يتناغم مع الشروط المذكورة في بعض مواثيق حوكمة الشركات الصغيرة و المتوسطة كالذي صدر من دولة الإمارات العربية.
مضبطة إجرائات الحوكمة هي جوهر التطبيقات التي يجب على كل شركة صغيرة و متوسطة أن تبدأ بها لتأسيس حوكمة فعالة ملائمة للشركة. دراساتنا بينت أن مضبطة الحوكمة يجب أن تحتوي على خمس فصول. الفصل الأول يشمل الميثاق الأخلاقي و هو ميثاق يبين القيم الأخلاقية التي تؤمن بها المؤسسة مع إرشادات سلوكية للإمتثال لتلك القيم و تفصيل لنظام العقوبات في الشركة. الفصل الثاني يشمل قانون الإنصاف في الشركة و هذا القانون يحدد الحقوق المتعلقة بالقرارت و الميزانية و الأجور و التوظيف و التخويلات الرسمية و عمليات الشراء. الفصل الثالث يفصل السياسة الشمولية في الشركة و هي سياسة تقنن مشاركة المعلومات و إجرائات الإفصاح و شؤون العلاقات العامة و الملكية الفكرية و عقوبات إفشاء الأسرار.
الفصل الرابع يشرح نظام الإمتثال لإدارة الجودة الشاملة وفقا لمعيار أيسو 9000. الأكاديميان نورزي محمود و محمد حلمي في جامعة ماليزيا قاما ببحث مشترك عام 2013 و توصلا لنتيجة بوجود علاقة إيجابية بين إدارة الجودة الشاملة و حوكمة الشركات الصغيرة و المتوسطة. فإدارة الجودة الشاملة تمكن الشركات الصغيرة و المتوسطة من تطبيق الحوكمة من خلال تنمية القيادة و تصميم نظام العمل و عمليات التشغيل و التركيز على رضا الزبائن و إقامة عملية صنع قرار واقعية و تنظيم مشاركة أصحاب المصالح في تلك القرارات. الفصل الرابع في مضبطة الحوكمة يجب أن يشمل على سياسة الجودة و مخططات العمليات التشغيلية لكل وحدة عمل في الشركة و خطة التحكم بالجودة و إستمارات لتسجيل إختبارات و تقييمات الجودة. الفصل الرابع عليه أيضا أن يركز على عملية التدقيق الخارجي لنظام الجودة في الشركة. فهذا الفصل لابد أن يوضح شروط إختيار المدقق الخارجي بناء على خبرته و إختصاصه , و إستقلاليته. أيضا يبين دور المدقق الخارجي و أدوات التدقيق المعتمدة و شروط عمله في الشركة. الفصل الرابع أيضا يوضح إجرائات إعتماد تقرير تدقيق الجودة إعتمادا على الأدلة العملية و خصوصية النتائج و نزاهة المدقق و دقة عرض التوصيات.
الفصل الخامس من مضبطة الحوكمة يهتم بتفصيل نظام الإمتياز التجاري للشركة. تم وضع هذا الفصل في المضبطة لاهمية حوكمة الإمتياز التجاري في عملية التوسع للشركات الصغيرة. خبير الإمتياز التجاري الدكتور أدم هيس في مدونة إنفستوبيديا يقول أن الامتياز التجاري هو مشروع مشترك بين صاحب الامتياز وحاصل على الامتياز حيث يقوم صاحب الإمتياز ببيع إسم شركته و طريقة صنعته لمستثمر ليصبح حاصل على إمتياز لبيع منتجات و تقديم خدمات طبق الأصل لمنتجات صاحب الإمتياز. حوكمة الأمتياز التجاري كانت هي سر تفوق شركات كبيرة كانت في الأصل مجرد محلات صغيرة لتصبح من أكبر شركات العالم مثل ماكدونالز و زارا و ستاربوكس. لذلك، يجب على الشركة الصغيرة جعل نظام الإمتياز التجاري جزء من مضبطة الحوكمة من أجل جعل الحوكمة قناة لتّوسع التجاري وكسب ثقة المستثمرين. الفصل الخامس يجب أن يبين بنود و شروط عقد الإمتياز و قوانين نظام الإمتياز التجاري عند الشركة و شروط إمتثال متحصل الإمتياز لسياسة الحوكمة عند صاحب الإمتياز التجاري.
تطبيقات الحوكمة المتوسطة
التصنيف الدولي يُعرّف الشركات المتوسطة على أنها مؤسسة تُدير أقل من ألف موظف و/أو تكسب إيرادات سنوية أقل من عشرة ملايين دولار. حسب تقارير البنك الدولي، الشركات الصغيرة و المتوسطة تمثل 90% من عالم الأعمال و تحتضن 50% من القوى العاملة العالمية. الشركات الصغيرة و المتوسطة تساهم بمقدار 40% من ناتج الدخل الدولي في الأسواق الواعدة. لذلك، الخبراء الإقتصاديين يوصون بأهمية تأسيس حوكمة للشركات الصغيرة و تنمينها في الشركات المتوسطة حتى يكتمل فيها ترابط التطبيقات اللازمة للوحدات الخمس في لجنة الحوكمة. الحوكمة في الشركات المتوسطة تسمى بالحوكمة الإنتقالية لأنها تنمو بالتناغم مع نمو الشركة و تراعي في نموها كلفة التطبيقات و تزايد الإيرادات و عوائد الفائدة من إجرائات الحوكمة.
غسان نقل و هو نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة نقل الأردنية قد عرض في المنتدى العالمي لحوكمة الشركات تجربة شركتهم الرائدة في تطوير حوكمة مجموعة نقل. غسان نقل سرد أن شركة نقل تأسست عام 1952 في الأردن كشركة عائلية صغيرة تعمل في إستيراد و توزيع المنتجات الغذائية. اليوم ، مجموعة نقل تملك 30 شركة صناعية في أرجاء الشرق الأوسط و الفضل الأول يعود لتطوير الحوكمة في شركة نقل. غسان نقل يقول إنه عندما تم تعيينه كنائب رئيس عام 1985 لم يكونوا سمعوا عن الحوكمة و لا يعلمو شيء عنها. إدارة نقل فقط فكرت كيف تصنع قرار إستراتيجي و كيف تكسب ثقة أصحاب الوكالات و الإمتيازات التجارية و كيف تبني ولاء الزبائن لمنتجات و خدمات نقل. غسان يضيف أن هذا التفكير قادهم لتطوير الإجرائات الإدارية في الشركة و عندما حضر لدورات متخصصة عن الحوكمة عرف أن كل ما فعلوه من تطويرات سابقة كانت تطويرات في الحوكمة.
مجموعة نقل قد طورت حوكمتها الإنتقالية خلال 25 سنة الماضية عن طريق خمس خطوات إستراتيجية. أولا، أسست مجموعة نقل مجلس الحوكمة بمسمى مجلس إدارة العائلة. مجلس الحوكمة شمل على 3 أعضاء من عائلة نقل مع خبيرين مستقليين. مجلس الحوكمة أسس لجنتين مركزيتين لتطبيق الحوكمة. اللجنة الأولى هي لجنة التدقيق و التي ترأسها أحد الخبراء المستقلين بينما كان الرئيس المالي للمجموعة أحد أعضائها. اللجنة الثانية هي لجنة التطوير الإداري و التي رأسها غسان نقل كنائب رئيس مجلس الإدارة لشؤون التطوير و الحوكمة. اللجنة عملت على تطوير الحوكمة من خلال تخطيط التعاقب الوظيفي في الشركة و إصدار قانون الإنصاف لضمان السياسة العادلة لشؤون التوظيف و الأجور و المناقصات.
ثانيا، قام مجلس عائلة نقل بإصدار مضبطة الحوكمة تحت مسمى دستور العائلة. أهم مباديء الدستور كانت فصل الإدارة التنفيذية عن مجلس العائلة و وضع منهج لتخطيط التعاقب للمناصب القيادية في الشركة و وضع هيكلية تنضم العلاقة الوكالية ما بين جمعية العائلة العمومية و مجلس إدارة العائلة و الإدارة التنفيذية. ثالثا، قام مجلس الإدارة بتأسيس بطاقة قياس الإمتثال و التنمية المستدامة من خلال إستخدام مقياس عالمي يعرف بإسم (جي.أر.أي). هذا المقياس العالمي يهتم بقياس عندة مؤشرات تختص بتطوير الثروة المالية و الثروة البشرية و الثروة الوطنية في الشركة. رابعا، قام مجلس إدارة نقل بتطوير نظام الشفافية في المجموعة من خلال نشر التقارير المالية و نتائج بطاقة قياس الإمتثال في الإعلام العام. بالإضافة تم تأسيس نظام مفتوح لتواصل إدارة الشركة مع المستثمرين الرابغبين في الشراكة مع مجموعة نقل العائلية.
مجموعة نقل تعتبر تجربة واقعية تثبت دور و نجاح تطوير الحوكمة الإنتقالية لحين وصولها للحوكمة فاعلة. إلا أن المهتمين يرون من هذه التجربة محصورة بالشركات العائلية. بالإضافة إنها تجربة أستغرقت ربع قرن في تطوير تدريجي للحوكمة. بينما السوق مليء بالشركات الصغيرة و المتوسطة الغير عائلية و التي ترغب بتطوير حوكمتها بأقل كلفة و أقصر وقت؛ فما هو العمل و ما هي الخيارات المناسبة؟
هناك ثلاث خيارات للشركات الصغيرة و المتوسطة من أجل أن تحظي بحوكمة شبيهة بالحوكمة الكبيرة من ناحية التطبيقات و الإجرائات. الخيار الأول و هو خاص بالشركات التي تعمل وفق نظام الإمتياز التجاري. حيث تقوم الشركة صاحبة الإمتياز التجاري بتأسيس بنية تحتية متكاملة من تطبيقات الحوكمة المعلوماتية و تتيح لكل شركة حاصلة على الإمتياز التجاري بإستخدام تلك التطبيقات و تكون قيمة الإستخدام جزء من المبلغ السنوي لشراء الإمتياز التجاري. الخيار الثاني هو أن تقوم حاضنات الأعمال بتوفير بنية تحتية متكاملة من تطبيقات الحوكمة المعلوماتية و تتيح للشركات الصغيرة و المتوسطة إستخدامها بنظام الإستإجار الشهري أو السنوي مع ضمانة الخصوصية و السرية للمعلومات الشركة.
الخيار الثالث هو أن تقوم مجموعة من الشركات الصغيرة و المتوسطة بالإتحاد تحت مظلة قابضة تشغيلية. القابضة التشغيلية تستحوذ بشكل جزئي على بعض أسهم الشركة الصغيرة و المتوسطة و تقدم لكل شركة منفعتين. المنفعة الأولى هو أن لكل شركة سيكون لها تملك في القابضة التشغيلية بمقدار قيمة الأسهم الممنوحة من الشركة الصغيرة أو المتوسطة إلى القابضة التشغيلية. المنفعة الثانية هو أن القابضة ستقدم لجميع الشركات التابعة لها خدمات الحوكمة اللازمة عن طريق مجلس حوكمة إدارية متخصص و تعمل فيه خمس وحدات هي الوحدة الإستراتيجية و وحدة المراقبة و وحة التحكيم و وحدة الإرشاد و وحدة إدارة الأزمات. القابضة التشغيلية ستزود الشركات التابعة لها بنظام مركزي متكامل من تطبيقات الحوكمة المعلوماتية. هذا الخيار ممكن أن تستفيد منه الحكومات بحيث تنتقل من إستراتيجية صندوق المنح المالية إلى إستراتيجية الشركات القابضة المستحوذة جزئيا و حوكميا على الشركات الصغيرة و المتوسطة في الدولة.
الخاتمة
الحوكمة الفعّالة تتطلب نظام متكامل من التطبيقات المعلوماتية تشمل بطاقة القياس المتوازن و بطاقة قياس الإمتثال و منصة إدارة الوثائق و نظام كشف الفساد و نظام تخطيط التعاقب الوظيفي و نظام تخطيط إستمرارية الأعمال. إلا أن هذا النظام المتكامل للحوكمة ملائم للشركات الكبيرة لكنه يثقل كاهل الشركات الصغيرة و المتوسطة. لذلك، الشركات الصغيرة و المتوسطة عليها البدأ بتطبيق الحوكمة من خلال خلال خمس تطبيقات بسيطة و هي كالاتي : (1) مجلس الحوكمة ، و (2) التدقيق المالي ، و (3) التدقيق لنظام الجودة ، و (4) بطاقة قياس متوازن و (5) مضبطة إجرائات الحوكمة. مجلس الحوكمة عليه تطبيق مضبطة حوكمة تشمل على خمس فصول هي (1) الميثاق الأخلاقي، و (2) قانون الإنصاف ، و (3) السياسة الشمولية ، و (4) الإمتثال لمعيار إدارة الجودة الشاملة و (5) نظام الإمتياز التجاري. بعد تأسيس الحوكمة الصغيرة، يمكن للشركة الصغيرة أو المتوسطة تطوير حوكمتها الإنتقالية لحين أن تصل للحوكمة الفعالة المتكاملة. علاو على ذلك، الشركات الصغيرة و المتوسطة يمكنها بأن تحظى بحوكمة فعالة متكاملة بأقل كلفة و أقصر وقت من خلال ثلاث خيارات هي (1) نظام حوكمة الإمتياز التجاري أو (2) إستأجار تطبيقات الحوكمة من حاضنات أعمال حديثة أو (3) الإندماج حوكميا في شركة قابضة تشغيلية.
الحوكمة التفاضلية ستمكن الشركات بمختلف أحجامها لتطبيق مباديء الحوكمة و أن أختلفت أدوات التطبيقات و الإجرائات ما بين الشركات. لذلك في ختام هذا المقال نوصي الجهات الرسمية في الدول بإن لا تصدر ميثاق عام لحوكمة جميع الشركات، بل تصدر ثلاث أنواع من المواثيق لشركة الكبيرة و الشركة المتوسطة و الشركة الصغيرة. التعدد في المواثيق بحسب حجم الشركة سيساعد جميع الشركات لإلتزام بمباديء الحوكمة الثمانية بإجرائات تتناغم مع وضع كل شركة و قدراتها العملية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال