الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قد يبدو من الوهلة الأولى لمن يعرف مشكلة الإسكان في السعودية وطوابير الانتظار أمام الصندوق العقاري التي تمتد لعشرات السنوات من اجل الحصول على قرض منها لبناء منزل، أن المسؤولين عن الإسكان استعانوا بالمارد ليحل لهم مشكلة الإسكان التي اعتقدنا أنها لن تحل للأبد.
عاش السعوديون نحو نصف قرن وهم يشكون إمكانية أن تتحقق أمنياتهم في الحصول على منزل يتملكونه قبل وفاتهم، ووقتها كانت الجهات الحكومية المعنية بالإسكان والتمويل، كل جهة تعمل منفصلة دون تنسيق بينها، ومعها تاه المواطن، فهو إن وجد الأرض، تأخر القرض، واذا حصل القرض واكمل بناء منزله، لم تصله الخدمات من كهرباء وماء، وهكذا الكثير من المواطنين رغم انه كان يبني منزله إلا انه كان يعيش في منزل مستأجر، لعدم اكتمال الخدمات والمرافق، ومعها ارتفعت الإيجارات.
وأمام النمو السكاني وعدم وجود خارطة طريق لمشاريع الإسكان، على الرغم أن الدولة كانت تخصص ميزانية ضخمة للصندوق، إلا أنها كانت تتأكل مع مرور الزمن والصندوق غير قادر على تجديد دورة راس المال، نتيجة تعثر الكثيرين عن السداد، وتزايد عدد المقترضين.
تقريرها لعام 2016 كان هزيلا وحسب تقرير الوزارة حينها بلغ ما وزعته من وحدات سكنية نحو 18 ألف وحدة فقط وما يقارب 29 ألف شقة في مختلف مناطق المملكة وبلغت عدد الأراضي السكنية التي وزعت حتى حينه أكثر من 27 ألف قطعة، وبلغت عدد مشروعاتها فقط 68 مشروعا.
الوثبة الفعلية لتحول مشاريع الإسكان من وزارة حكومية خاملة، وتحول الى مارد وقلب كل الموازين، جاء بعد إعلان السعودية رؤيتها الطموحة 2030 في 25 إبريل 2016، ليس هذا فحسب بل طرحت مبادرات ووضعت كل الجهات الحكومية خاصة الخدمية أمام اختبار صعب بضرورة التقيد والالتزام. وكان أمام وزارة الإسكان اختبار صعب. خاصة أن الانطباع السائد لدى الكثيرين أنها وزارة تتحدث عن مشروعات ولا يراها الناس، ومن اهم المعايير التي لجات إليها وهي خفض النسبة بين متوسط سعر الوحدة ومتوسط دخل الفرد السنوي الى 5 أضعاف وزيادة نسبة تملك المنازل بين المواطنين السعوديين الى 60 في المائة، والشيء الأهم ينبغي ألا يكلف أكثر من 30 في المائة من إجمالي دخل الأسرة، والاستفادة من فرص التمويل العقاري الممكنة من خلال رفع إجمالي القروض العقارية القائمة الى أكثر من 500 مليار ريال.
بعد أشهر قليلة من إعلان رؤية 2030، أطلقت وزارة الإسكان في 2017 برنامـج سـكني التي تمكـن الأسرة السعودية من امتلاك المسكن من خلال مجموعـة مـــن الخيارات السكنية والحلول التمويلية التي تيسر الحصول على المسكن الملائـم بشكل أسرع وسعر أقـل وخيـارات متعـددة ودفعـة أولى ميسرة.
ومن خلال تطبيق “سكني” وعبر الهاتف اصبح بالإمكان اختصار الوقت والزمن والمدة، وبالإمكان تحديد نوع السكن الذي يحتاجه المواطن، ويهدف التطبيق تمكيـن الأسرة السعودية من امتلاك المسكن الأول، توفيـر حلول سكنية وتمويليـة متعددة تلائم مع احتياجات الأسر السعودية تطوير تجربة المستفيد وتسهيلها، وقدم مشروع “سكني” خيارات متعددة أمام المستفيدين، من بينها شراء الوحدات من السوق، وهـذا الحـل يوفر الحصـول علـى قـرض عقـاري مدعـوم الأربـاح لشـراء وحـدة سـكنية جاهـزة ممـا يتيـح للمواطـن المسـتحق حريـة شـراء الوحـدة السـكنية فـي أي موقـع يختـاره.
والخيار الآخر هو وحدات سكنية تحت الإنشاء أحـد خيـارات التملـك، التـي تناسـب المواطنـين الذيـن يخططـون لتملـك وحدتهـم السـكنية ويرغبون العيـش فـي بيئـة سـكنية متكاملة الخدمـات والمرافـق بحيـث يتـم تقسـيط شـراء الوحـدة خلال إنشـائها، أما خيار الأراض السكنية المجانية فهو يمنح للمســتفيدين المســــجلين فــــي قوائــــم وزارة الإسكان والراغبين فــي الحصــول علــى أرض سـكنية مطـورة، حيـث تقـدم للمسـتفيد مجانـا، ويمكنـه اختيـــار المخطـــط الســـكني ضمـن مجموعـــة مـــن المخططــــات المعروضــــة فــــي الموقــــع الإلكترونــي لبرنامــج “سكني” ويتيح خيار البناء الذاتي المستفيدين المسجلين فـي قوائـم الـوزارة ويمتلكـون أراض سـكنية يرغبـون فـي بنائهـا بأنفسـهم، حيـث يتيـح لهـم الحصـول علـى قــرض عقـاري يصل إلى 500 ألف ريال مدعوم الأرباح.
كمـا يمكـن الاسـتفادة مـن خدمـة التصاميـم الهندسـية لمنتـج البنـاء الذاتـي، ولم تتوقف خيارات تملك السكن التي طرحتها وزارة الإسكان الى هذا الحد، بل طرحت أمام المستفيد مشروعات الوزارة السكنية من الفلل الجاهزة التي نفذتها و يمكـــن الاختيـــار مـــن مشـــاريع الفلـــل الجاهـــزة التـــي نفذتهـــا الـوزارة، ويبلغ متوسـط مسـاحة الفيلا الواحـدة 500 مـتر مربـع، وبمتوسـط أسـعار 350 ألف ريـال، كمـا يمكـن الحصـول عليهـا بقـروض عقاريـة مدعومة الأرباح، وبأقساط ميسرة، وتمتاز هذه المشاريع باكتمــال البنيــة التحتيــة والخدمات والمرافق العامة، حيث تعتبــــر جاهـــزة للســـكن مـــن قبـــل المســـتفيدين.
قبل أيام كنت أطالع تقرير عن برنامج “سكني” واستعرض التقرير مستهدفات البرنامج في 2020، سوف تلاحظون بأنفسكم الفارق الذي حدث في مشاريع الإسكان ونسبة عدد المستفيدين وأيضا المدة الزمنية في إنجاز تملك المنازل، بعدما كانت تستغرق عشرات السنوات، وطابور طويل في صفوف الانتظار، كان المستهدف في 2020 خدمة 300 الف أسرة وضخ 100 الف وحدة سكنية جديدة بالشراكة مع مطورين عقاريين، وتوفير اكثر من 90 الف ارض مجانية جديدة عبر تطوير 72 مخططا جديدا، و130 الف أسرة تسكن منازلها، في ديسمبر أي قبل نهاية العام الماضي ، اكثر من 34 الف أسرة استفادت من الخيارات السكنية والحلول التمويلية التي قدمها البرنامج، ونحو 16 الف أسرة سكنت في منازلها، فما الذي حدث خلال عام 2020 وهي عام استثنائية، أثرت على الاقتصاد العالمي نتيجة جائحة كورونا، وتراجعت مداخيل النفط، الذي حدث أن مشروع “سكني” تجاوز تقديره السنوي، اكثر من 390 الف أسرة سعودية استفادت ضمن البرنامج في عام 2020، واكثر من 138 الف أسرة سكنت في منازلها.
كيف حلت السعودية مشكلة السكن بعدما كان امرأ مستحيلا تملك المنازل؟، لاحظت أن هناك أفراد داخل المجتمع لا يستطيعون تحمل تكلفة السكن بشكل مريح وبالتالي يتطلب بناء وحدات أكثر يسرا عن طريق خفض سعر الوحدات السكنية. واستعانت بتجارب دول سابقة ولاحظت أن تكلفة بناء المنازل يجب ألا تكون أكثر من 30 في المائة من إجمالي دخل الأسرة.
شركة Knight Frank نشرت عن تحديات الإسكان التنموي في المملكة العربية السعودية قالت على الرغم من أن السعر السوقي للوحدة يشكل حاجزاً أمام الأفراد والأسر المعيشية المنخفضة الدخل، فإنه في كثير من الأحيان لا تكون هذه هي القصة الكاملة. وينبغي النظر للعوامل الأخرى التي قد تحد من وصول الأفراد ذوي الدخل المنخفض إلى المساكن، مثل نوعية البناء والموقع ونوع السكن.
وذكرت Knight Frank في الجزء الثاني من تقريرها، أن أفضل الممارسات الدولية أظهرت أن مشاركة الشركات الاستشارية ذات الخبرة في مجال التطوير العقاري على وجه التحديد في عملية وضع السياسات، سبب لتحقيق أفضل النتائج. يمكن لهؤلاء الاستشاريين الذين يقدمون المشورة لمطوري القطاع الخاص والذين يعتبرون “خبراء” في هذا المجال، تزويد صانعي السياسة الحكومية برؤى عميقة حول كيفية دراسة الأهداف التي ستتم دراستها، وسيلعبون دوراً فعالاً في السوق، وأيضاً تقديم توصيات تستند إلى توقع التداعيات التجارية كما يتم إدخال خبرة التطوير العقاري والحقائق التجارية لسوق العقارات في القطاع الخاص في عملية وضع السياسات منذ البداية، مما يزيد من معدل نجاح برنامج الإسكان التنموي على مدى أفق التنفيذ.
هذا التفوق السعودي على برنامج تملك المواطنين للمنازل اعطى السعودية في 2019 مرتبة متقدمة بين دول العالم في نمو نسب التملّك بين المواطنين، وأظهرت بيانات رسمية من صندوق النقد الدولي تفوّقها على عدة دول ضمن مجموعة G20، شملت الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وتركيا، وكوريا الجنوبية، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وأستراليا، وبريطانيا. ويبقى برنامج “سكني” ورؤية 2030 أحد اهم عوامل نجاح تملك المواطنين للمنازل في وقت قصير وبتكلفة مناسبة تتوافق مع دخل الأسرة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال