الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أعلن صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن مشروع لتطوير منظومة التشريعات الأربعة، مشروع نظام الأحوال الشخصية، ومشروع نظام المعاملات المدنية، ومشروع نظام الإثبات، ومشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية. وقد ابتهج الوسط العدلي بهذا الإعلان لعدة أسباب أهمها ما كان يحدث من فراغ في هذا المجال سبب تفاوتاً كبيراً في الأحكام، ولا شك أن التفاوت يسبب الشك في عدالة المحكمة الأمر الذي يجعل من إعداد هذه الأنظمة أمراً بالغ الأهمية لسير العدالة.
وهذه الأنظمة بمثابة العمود الفقري للحقوق والتعاملات، ستحد من تباين الأحكام وتضاد السوابق في الواقعة الواحدة، وستقلل من تأثير العواطف في النزاعات، وسيكون القانون عادلاً مع الجميع، ولقد قرأت قبل أيام نتيجة استبيان للقاضي أحمد البدراني في بحث نشره، وقد شارك فيه (450) قاضي في السعودية حيال رأيهم في اختلاف الأحكام القضائية في الوقائع المتماثلة. وجرى سؤالهم هل لاختلاف الأقضية في الوقائع المتماثلة آثار سلبية كاتهام القضاة؟ واختلال المفاهيم الحقوقية ونحو ذلك؟ فكان الجواب أن (44.4%) من القضاة يرى أن لاختلاف الأقضية في الوقائع المتماثلة آثاراً سلبية على جميع أطراف القضية، بل والمجتمع.! وإذا كانت هذه النسبة في وسط القضاة فلا شك أنها خارج الوسط القضائي ستكون أكبر وأكثر.
فما الذي سيغيره هذا المشروع وماذا عن مستقبل العدل؟ بنظري أنه سيوحد الاجتهاد القضائي بنسبة كبيرة حيث ستتقارب الأحكام ففي الأحوال الشخصية، مثلاً ستكون قضايا الحضانة والزيارة واضحة المعالم بخلاف السابق، حيث كان لكل قاضي اجتهاد في حضانة الأم لابنها خصوصاً بعد زواجها، ويحد من حالات القلق والأرق المصاحب للأسر عند انفصال المتحابين عن بعضهم وما يلحقهم من وجع يكفي من أن تعيده قاعات المحاكم لهم، ومثله في التعاملات حيث سيكون للعقود احترام وتقدير، فيقل تدخل القضاة في موضوع صحة العقد من عدمه، وكذا في نظام الإثبات سيكون للبينات حجيتها بشكل فاصل بموجب النظام ولاجتهاد للقاضي مع النص النظامي, ربما تناقش المشاريع الأدلة الرقمية والكتابية وحجية الإقرارات الصورية وغير الصورية التي لازلت محل أخذ وجذب وجدل دائم عند المهتمين، وكذا النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية فالوضع الحالي للنظام أن المحاكم الجزائية مقسمة لدوائر تختص بعضها في الجرائم المنظمة مثل: (جريمة التزوير والرشوة وغسل الأموال.. إلخ) وهذه واضحة عقوباتها سهلة التوقع, والجرائم المرسلة، وهي دوائر لنظر الجرائم غير المحددة ولم يصدر لها نظام محدد كالقذف وخيانة الأمانة وتحال لدائرة تسمى التعزير المرسل وتخضع لرأي القاضي الفقهي وتتنوع اجتهادات القضاة في ذلك فمن المتوقع أن يكون النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية محددا لكل مخالفة شائعة مبيّنا عقوبتها وجزائها حتى يكون كل مواطن على بيّنة من أمره.
وإن كانت الأحكام لا توصف أنها متباينة، إلا إذا اتحدت في الموضوع وتساوت في وسيلة الإثبات، لكن الواقع يثبت أن هذا الاختلاف بهذه الضوابط وقع منه الكثير، وكان لمجلس القضاء الأعلى جهوداً كبيرة في استدراك الأمر، إلا أن وجود أنظمة محددة سيجعل المعالجة أسهل وأسرع وأجدى وأعدل كما صرح معالي وزير العدل وليد الصمعاني في معرض تعليقه على ما صرح به ولي العهد – حفظه الله – حيث قال: (ستسهل في شكل واضح في اطمئنان الأفراد لصحة التعاملات وتقليل التحوط الذي يزيد من التكاليف على جميع الأطراف).
والأمر المؤلم أن اختلاف الأحكام القضائية وتبيانها في بعض الأحيان, وغياب نظام موحد ومعايير مقننة في الشق الموضوعي يتسبب في بعض المواقف بالطعن في الشريعة الإسلامية والنيل منها، ونحن من يفخر بتطبيقها، والسبب ليس في الشريعة – تنزهت وتسامت- وإنما في سوء التطبيق من بعض المجتهدين أو المقلدين، وعليه فإن هذه التشريعات ستسهم في تجويد وتطوير العمل والمخرجات القضائية، وستساعد في تحسين سمعة القضاء ورفع التهمة عن الدين. كما أن توحيد الأحكام القضائية سيعزز من ثقة الاقتصاد ودخول المستثمر الأجنبي، وفي أكثر من مناسبة قد أكدت المجمعات الدولية أن أهم وسيلة لدخول الشركات الكبرى لمحيط الدول هي قابلية التوقع للأحكام وسهولة التنبؤ بها ولا شيء يسهل ذلك مثل إصدار نظام في ذلك.
فمثلا في عام 2007م أعلنت سنغافورة مع مجوعة من الدول في محفل قانوني عن وضع إطار عالمي لامتياز أعمال المحاكم وتم حصرها في عشرة معايير هي:
1- المساواة. 2- العدالة بدقتها وشموليتها. 3- الاستقلال. 4- الحياد الذي يجرد المحاكم والقضاة من أي ميول. 5- الكفاءة للقضاة والعاملين. 6- النزاهة. 7-الشفافية لأن (العدالة يجب أن ترى حتى تعيش). 8- الإتاحة بتيسير وصول الجميع للمحاكم وإزالة العوائق. 9- الإنجاز بتقديم الخدمات بآجال معقولة. 10- المصداقية ويقصد بها الاتساق في نواتج العمل القضائي.
حيث يرون أن هذه المعايير هي مؤشرات النجاح في تقدم القضاء والمحاكم في الدول والعدالة بين الأفراد، وهي معايير اختيار المستثمرين، وولوجهم المناطق ومعاشرتهم لأهلهم والعيش معهم.
ومتفائل أننا اقتربنا من تحقيق الكثير مما كنا نحلم به وحققنا ما نطمح له بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد سلمان، الذي جعل الإصلاحات التشريعية هاجساً له من حين توليه، وأرسى عدد من الأنظمة والقواعد العادلة التي أرست مبادئ حقوق الإنسان الأساسية وحاربت الفساد وعززت الشفافية ودعمت النزاهة، ونحن أحوج ما نكون لهذا التجديد التشريعي بعدما وصل عدد سكان المملكة إلى 34 مليون نسمة في 2020م، بينما كان في عام 1930 اثنين مليون نسمة. وإلى حين أن نبتهج ونحتفل بصدور الأنظمة الأربعة كما سعدنا بخبر إعدادها وتحضيرها نواصل الارتقاء بمرفق العدالة إلى غاية ما يمكن أن تسمح به طاقتنا في منطقتنا العربية التي تحتاج دائما إلى الخطوات الجادة التي تعزز الثقة في حكم القضاء وحسن إدارة العدالة, والمملكة قبلة المسلمين, وقادرون على أن نكون قدوة في ذلك بما خصنا الله به من قيادة رشيدة ورؤية طموحة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال