الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عند الحديث عن إدارة شركة المساهمة، فإنَّ الموضوع يتعلَّق بمعالجة وتقييم كميةٍ هائلةٍ من المعلومات، ثمَّ اتِّخاذِ القرار المدروس بناءً عليها؛ بشكلٍ يصبُّ في مصلحة الشركة.
بالتالي، لا يمكن لأية إدارةٍ -مهما كانت إمكانيَّتها وخبرتها كبيرةً- أن تتَّخذ قراراتٍ صحيحةٍ في مصلحة الشركة دون الاطِّلاع على معلوماتِهَا، بل على العكس يمكن للجمعية العامة في الشركة وللمساهمين إقامة مسؤولية مجلس الإدارة إذا لم يطَّلع على هذه المعلومات قبل اتِّخاذ القرارات بشأنها؛ حيث إنَّ مثل هذا القرار غير المُطَّلع يعكس مدى إهمال المجلس في تحمُّل مسؤولياته.
ومن هذا المنطلق، فإنَّ أيَّ تقييدٍ لصلاحيات مجلس الإدارة في الاطِّلاع على معلومات الشركة وبياناتها المالية السرية سيفتحُ الباب لقراراتٍ إداريةٍ خاطئةٍ من المجلس.
كلُّ هذه المعطيات المنطقية التي تدعم حقَّ مجلس الإدارة بالاطِّلاع على المعلومات تدعمها قواعدٌ من نظام الشركات، ومن أهمِّها ما يلي:
“… يكون لمجلس الإدارة أوسع السلطات في إدارة الشركة بما يُحقِّق أغراضها، وذلك فيما عدا ما اسْتُثْنِيَ بنصٍّ خاصٍّ في النظام أو نظام الشركة الأساس من أعمال أو تصرُّفات تدخل في اختصاص الجمعية العامة” (م/75-1 نظام الشركات).
بناءً عليه، لا يجوز الوقوف أمام سلطات مجلس الإدارة الخاصَّة بتسيير الشركة، أو حتى وضع العراقيل أمام هذه السلطات، وهذا يَنطَبِقُ على مُستَلْزَمَاتِ اتِّخاذ القرارات الإدارية، وأهمُّها الاطِّلاع على معلومات الشركة.
لكن يمكن تقييد سلطات مجلس الإدارة في الحالات التالية الحصرية فقط:
1- بموجب النظام،
2- بموجب نظام الشركة الأساس، إذا كانت السلطات ترجع للجمعية العامة.
في مقابل كلِّ هذه الضمانات لحقِّ مجلس الإدارة بالاطِّلاع على المعلومات، توجد ممارسةٌ غير مشروعةٍ تُثيرُ الكثير من النقاش النظامي والمالي، وهي جريمة: “تداول المطلعين” “Insider Trading”؛ وتعني هذه الجريمة قيام عضو مجلس الإدارة مثلاً بشخصه أو عن طريق أحد من أقربائه أو أصدقائه بالتداول في السوق بشكلٍ شبه مضمونٍ على أساس العلم بمعلومات داخليةٍ (مؤثِّرةٍ وسريةٍ) اطَّلع عليها العضو بحكم مركزه في الشركة، وهو ما يُمثِّل خيانة لواجب المجلس في احترام ثقة الشركة.
وقد قال نظام السوق المالية في هذا المقام بشكلٍ صريحٍ:
“يُحْظَرُ على أيِّ شخصٍ، يحصل بموجب علاقةٍ عائليةٍ أو علاقة عملٍ أو علاقةٍ تعاقديةٍ على معلوماتٍ داخليةٍ أن يتداول بطريقٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ الورقة التي تتعلَّق بهذه المعلومات…” (م/50-أ نظام السوق المالية).
وفي هذه النقطة بالذات، ينشأ التعارض بين حقِّ مجلس الإدارة بالاطِّلاع على معلومات الشركة الداخلية بغرض إدارتها، وبين ضرورة حماية هذه المعلومات من استغلال أعضاء المجلس لهذا الاطِّلاع في التداول.
فهنا نتساءل: كيف يمكن حلَّ هذا التعارض بين الاطِّلاع على المعلومات لضمان حسن إدارة الشركة، وبين تقييده لضمان عدم استغلال المنصب الإداري في الشركة؟
عبَّرت هيئة السوق المالية عن وجهة نظرها في هذا الإطار من خلال لائحة حوكمة الشركات بقاعدةٍ فريدةٍ مفادها:
“يَضَعُ مجلس الإدارة سياسةً للسلوك المهني والقيم الأخلاقية في الشركة، تُراعِي بصفةٍ خاصَّةٍ ما يلي: …
وَضْعَ قواعدٍ دقيقةٍ ومُحكَمَةٍ وواضِحَةٍ تُنظِّمُ صلاحية وتوقيت الاطِّلاع على المعلومات الداخلية الخاصَّة بالشركة بما يَحولُ دون استفادة أعضاء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية وغيرهم منها أو الإفصاح عنها لأيِّ شخصٍ، إلاَّ في الحدود المُقرَّرة أو الجائزة نظاماً” (م/86-6 لائحة حوكمة الشركات).
بناءً على كلِّ ما سبق، فإنَّ مجلس إدارة أية شركةٍ مساهمةٍ سيكون أمام تحدٍّ مزدوجٍ؛ الأول هو جودة الإدارة التي تتطلَّب الاطِّلاع على أكبر قدرٍ مُمكنٍ من المعلومات، والثاني هو سياسة السلوك المهني في الشركة التي قد تُقيِّدً صلاحية الاطِّلاع على هذه المعلومات من حيث الكم والتوقيت.
لكن تبقى فكرة تقييد المعلومات وتحديد وقت الاطِّلاع عليها تجاه مجلس الإدارة أمراً صعباً جداً وغير مُمكنٍ في بعض الحالات.
فمثلاً، إذا كان المجلس في أمسِّ الحاجة لمعلومةٍ عن حسابات الشركة البنكية بغرض إنقاذها من أزمةٍ ماليةٍ محدقةٍ كالتي عصفت بالشركات في زمن جائحة كورونا، فهل يمكن الحديث هنا عن كتم هذه المعلومة خوفاً من استغلال المجلس لها في التداول على أسهم الشركة؟
ثم إذا تمَّ إقرار سياسة السلوك المهني بما يُقيِّدُ مجلس الإدارة في الاطِّلاع على المعلومات، فهنا مَن سيكون المشرف على اطِّلاع المجلس؟ مَنْ الذي سيُحدِّدُ للمجلس المعلومات التي يَحِقُّ له الاطِّلاع عليها ووقت هذا الاطِّلاع؟
وحتى إن كان هذا التقييد سيتمُّ عبر سياسة السلوك المهني في الشركة، فهنا أليس المجلس هو نفسه من أشرف على تحضير هذه السياسة؟ فكيف يمكن ضمان تقييد المجلس لسلطاته بشكل ذاتي؟!
وهنا، لا يمكن الاعتماد بأي حال من الأحوال على رقابة الجمعية العامة للشركة؛ وذلك لعدم ضمان وعيها الكافي لظروف عمليات تسيير الشركة والمعلومات التي تَصدُرُ عنها.
كما أنَّ التساؤل الأهم هنا: ألا يُعتبر مجلس الإدارة هو مَصدَرُ المعلومة الداخلية في الشركة والصانع الأساس لهذه المعلومات في معظم الأحيان من خلال قراراته؟ فكيف يتمُّ تقييد علم المجلس بمعلومات هو ذاته مَن صنعها؟!
بناءً عليه، تبدو قاعدة تقييد اطِّلاع مجلس الإدارة على معلومات الشركة التي يديرها غير فعَّالةٍ على أرض الواقع، حتى أنَّها يمكن أن تؤدِّي إلى نتائجٍ عكسيةٍ؛ فيمكن للتطبيق المبالغ فيه لهذا التقييد أن يُساهمَ في فشل إدارة الشركة بشكلٍ تامِّ.
لذلك نقترح في هذا المقام ما يلي:
*فرض قاعدة الحرمان من التداول على أسهم الشركة تجاه أعضاء مجلس الإدارة وأزواجهم وأقربائهم حتى الدرجة الرابعة، ذلك بين تاريخ العلم بالمعلومة الداخلية وقبل الإفصاح عنها، واعتبار أي تداول يجري بالمخالفة لهذه القاعدة باطلاً.
*فرض واجب على لجنة المراجعة بتدقيق التعاملات المذكورة، ومعرفة ما إذا كان قد جرى تنفيذها بين تاريخ العلم وتاريخ الإفصاح.
*فرض عقوبة الحرمان من إدارة أية شركةٍ مساهمةٍ على أيِّ عضو مجلس إدارة إذا ثبت استغلاله لمعلومات شركته الداخلية بشكل مباشر أو غير مباشر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال