الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
من حيث لم يتوقع أحد، بدأت الأحداث القوية في الاقتصاد العالمي. من عند البنك المركزي السويسري بإعلان تخليه عن الحد الأدنى لليورو مقابل الفرنك وهي السياسة التي تم اتباعها منذ حوالي ثلاث سنوات. خلال وقت قصير جدا ارتفع سعر صرف الفرنك مقابل اليورو بشكل غير مسبوق وصل ما يقارب ٣٠٪. النتيجة كانت إفلاس عدد كبير من وسطاء تجارة العملات و تعرض الكثير من البنوك العالمية والمؤسسات المالية لخسائر ضخمة.
لا يصل ما حدث في الأسبوع الماضي لحجم خسائر وإفلاسات الأزمة السابقة عام ٢٠٠٨، لكنه على الأقل يعتبر أزمة مصغرة أو بداية لأحداث لاحقة. بداية، فإن قرار البنك المركزي السويسري بإلغاء الحد الأدنى بالإضافة إلى تخفيض الفائدة الى سلبية لا يوحي بأن الوضع الاقتصادي يعيش أفضل أيامه ولا وجد صناع القرار في الأفق المنظور ما يجعلهم يؤجلون هكذا قرارات.
كنت في العام الماضي قد تحدثت وكتبت عن أن بوادر أزمة جديدة قد بدأت تتشكل لكنها لم تصل بعد لمرحلة التأثير السلبي مع وجود إمكانية لتلافيها. لكنني اليوم مع تسارع الأحداث و محاولة ربطها مع بعض البعض، أعتقد، وبكل أسف، أن أزمة جديدة قد بدأت فعلا.
في الاقتصاد العالمي الأكبر حتى الان أي في الولايات المتحدة الأمريكية، لم أعول يوما على جانيت يالين وسياساتها النقدية. فالفيدرالي الأمريكي أوقف برنامج التيسير الكمي لأنه يعتقد أن الاقتصاد بدأ بالتعافي و لمح إلى قرب رفع أسعار الفائدة ثم تراجع عن ذلك بعد ردة فعل الأسواق المالية. من يتابع نتائج المؤشرات الاقتصادية يجد الكثير منها في تحسن بشكل عام ولكن عند البحث في التفاصيل نجد تناقضات متنوعة. أكثر من ذلك، بعض المؤشرات لا تثبت على نمط نمو بل تتذبذب صعودا وهبوطا من فترة لأخرى، مما يعني وبكل بساطة أن التعافي هش و ليس متينا. في العامين ٢٠١١ و ٢٠١٢ شهد الوضع الاقتصادي في أمريكا تركيزا شديدا وخصوصا مع قرب إعادة انتخاب أوباما عندما أظهرت نسبة البطالة أكبر تحسن في تلك الفترة ونجح أوباما في الانتخابات. يتبقى حاليا للرئيس الأمريكي عامان قبل مغادرته سدة الرئاسة، ولا أتوقع أن نشهد تغييرات إيجابية كثيرة لاختلاف الأوضاع والدوافع. ويبقى أهم عامل مؤثر على قدرة الاقتصاد الامريكي على التعافي في رأيي هو الوضع الاقتصادي العالمي، فلم تعد أمريكا قادرة حاليا على العمل بمعزل عن الخضات الاقتصادية في العالم والتي يتوقع أن تتزايد.
في أوروبا، لا جديد. سياسات مقترحة ونقاشات مطولة وفي النهاية لا قدرة على اتخاذ قرارات كبيرة بسبب تنوع مراكز القرار و اختلاف المصالح الرئيسية. منذ عدة سنوات، أفلست اليونان، أو كادت. وتم إنقاذها، أو تأخير انهيارها على وجه الدقة، من قبل الاتحاد الأوروبي. بعد ذلك كلام لا ينتهي عن خروج اليونان من الاتحاد الاوروبي وهي لم تخرج حتى الان على الرغم من أن ذلك نظريا ما زال واردا. رأيي هنا أن الأثر السلبي موجود سواء بقيت اليونان أو خرجت. ربما يُحدث خروجها بعض الخضات الإضافية، لكن استمرار اليونان في الاتحاد لن يعني أن الوضع سليم. في أماكن أخرى من أوروبا نذكّر ببعض الأحداث التي حصلت ومرت لكن أثرها باق و مستمر في نخر عظام الاقتصاد مثل الأزمات المالية في اسبانيا وقبرص والبرتغال وغيرها، وعلى المستوى السياسي الخلاف حول انفصال اسكتلندا و كاتلونيا عن بريطانيا وإسبانيا. في بريطانيا ايضا، نقاشات عن جدوى الاستمرار في الاتحاد والفائدة التي يجلبها للبريطانيين. كل ذلك لن يعالجه ماريو دراغي عبر شراء بعض السندات.
في الصين، يستمر اقتصادها بالنمو بمعدلات جيدة ومرتفعة بالنسبة للمناطق الأخرى، لكنه نمو متباطيء ومتراجع، فنسبة النمو لعام ٢٠١٤ كانت ٧.٤٪ أي أقل نسبة منذ ٢٤ عاما. نمو الصين المتباطئ في رأيي يؤثر سلبا على الاقتصاد العالمي أكثر مما يؤثر على الصين نفسها، ولذلك أشرت إلى عدم قدرة أمريكا مثلا على العمل بمعزل عما يجري في العالم.
بالوصول إلى منطقتنا العربية والأسواق المالية خصوصا، يبدو أن العوامل الاقتصادية لن تمنح الأسواق أفضل أوقاتها، ولذلك سنشهد تذبذبات حادة و قوية. ستكون هناك ارتفاعات بكل تأكيد، لكن مع الجو العالمي الذي أشرت له، ستكون ردة الفعل السلبية دائما قوية جدا عند حدوث مستجدات اقتصادية.
ما كتبته هنا مجرد تحليل للوضع الاقتصادي العالمي ولا أهدف إلى تخويف أو ترويع أي مستثمر، فعلى المستوى الفردي تتوفر الفرص خلال الأزمات، ومن يستغلها يصنع الثروات.
الخطيب
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال