الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
اطلعنا على الفيديو المُتدَاول بشأن اختراق الحساب البنكي لأحد المواطنين، عبر حساب وهمي مُزور للبريد السعودي، حيث تعرض المواطن للاحتيال بطلب تعبئة المعلومات الخاصة بشحنة بريد له، فقام بتزويد اللص بالمعلومات الآتية: بريده الالكتروني، وجواله، ورقم البطاقة الائتمانية وتاريخ انتهائها، والرقم الخلفي ذو الثلاثة أرقام (CVC).
وقد استطاع اللص اختراق حساب البطاقة الائتمانية للعميل، مُستفيداً من المعلومات أعلاه، فسَحَبَ منه عدة عمليات ومبالغ.
وثارَ السؤالُ: مَنْ يتحمل مسؤولية هذا الاختراق؟ وهل المسؤولية على العميل، بوصفه من أفصحَ عن معلوماته؟ ومع الأسف، سمعتُ هذا الجواب من العديد، مُعتبرين أنه المُخطئ، أو المُتسبب، ولأكُنْ محامياً عنهم؛ بأنه المُتحمل كون لا خطأ من البنك، وما ذنبَ البنك ليتحمل؟ أم المسؤولية على البنك؟!
ويا سادة، إن من يُحَدّد الجواب هو القضاء المُختص، وهو في المملكة العربية السعودية (لجنة المنازعات المصرفية)، والتي تحكُم وتفصُلُ في منازعات البنوك مع عملائها، بشتى النزاعات، ومن ذلك: الشيكات المُزورة على أصحابها، وانتحال شخصية عميل البنك، وتقليد توقيعه بالتزوير، وسرقة البطاقات البنكية والائتمانية، وإساءة استعمال التجار ومحلات البيع في السوق وفي الانترنت لأرقام البطاقات واستخدامها بالتزوير أو بالاختراق أو بالتحايل أو بالغش على العميل ودون رضاه، سواء باستخدامها بالشراء أو بالسحب أو بالتحويل، ونحو ذلك الكثير.
وإن مبادئ اللجنة المصرفية الموقرة مُستقرةٌ من خلال عشرات الأحكام بمثل هذه النزاعات، ولكل حالة مما سبق تأصيل وتسبيب، ولقد شَرِفْتُ بالعمل مُستشاراً لدى اللجنة أكثر من عشر سنوات، ولتيسير الأمر على القارئ، أؤكد الآتي:
أولاً: بعض مبادئ السحب من الحساب:
أن أموال العملاء لدى البنوك هي أمانة لديها، يستوجب على البنوك الحفاظ عليها وحمايتها، فإن أخل البنك بالتزامه بالمحافظة على أموال العملاء والمودعين، تَحَمَّلَ المسؤولية، وعلى ذلك فإن العملية البنكية لكي يكون صاحب الحساب مسؤولاً عنها، يجب أن تكون بتوقيعه واعتماده، أو ممن يُنيبه، فإن تمت عملية بلا ذلك، فالبنك مُلزم بإعادة المبالغ المسحوبة من الحساب، وليرجع من أراد التحقق عن ذلك لقرار اللجنة رقم (177/1424).
ويُطبق ما سبق على إهمال موظفي البنك في مطابقة توقيع العميل على الشيك المُزور، وهو ما استقر القضاء السعودي بل والعالمي على اعتبار خطأ البنك ذلك يُرتب مسؤوليته المدنية عن صرف الشيك.
ولمزيدٍ من العمق، فإنه يحصُلُ في حالات الشيكات المزورة، أن يُساهم العميل بخطئه أو بتقصيره في التمكين من صرف الشيك المُزور، وأبرز حالة لذلك هو إهمال العميل في المحافظة على دفتر شيكاته، وهو التزامٌ عليه، مما يؤدي إلى حصول أحد الموظفين أو المُعتدين على ورقة من دفتر الشيكات وهم من يعرفون توقيعه، فيقلدونه، فيَصرف البنك الشيك المزور، فيشترك في ذلك مبدئان، الأول: مسؤولية البنك عن سحب أموال العميل إن لم تكن بتوقيعه، والثاني: مسؤولية العميل عن تقصيره في المحافظة على دفتر الشيكات.
وعلى ذلك فمن قرارات اللجنة المصرفية: مسؤولية كلا الطرفين (البنك والعميل) عن قيمة الشيك المزور بالقدر المُتناسب مع الخطأ المنسوب إلى كل منهما ومدى مساهمته في تحقيق الضرر.
وإن مكتبنا ليفخر بصدور قرار اللجنة المصرفية القضائي رقم (130/1442) وتاريخ 15/3/1442هـ، القاضي بإلزام أحد بنوكنا الوطنية الكريمة بأن يدفع لموكلتنا الشركة مبلغاً يفوق على (12) مليون ريال، استناداً إلى ذات المبدأ، بقضية شيكات وحوالات بنكية مزورة.
ثانياً: بعض مبادئ البطاقات الائتمانية:
أما عن البطاقات البنكية والائتمانية، بشتى أنواعها، فإنه تنطبق ذات المبادئ أعلاه عليها، وبالتالي فالأصل أموالنا أمانة لدى البنوك، عليها مسؤولية المحافظة عليها، فإن تعرضتْ بطاقاتنا أو حساباتنا إلى الاختراق أو سوء الاستعمال أو السحب بلا إرادة العميل ولا توقيعه، سواء أكان ذلك بتوقيعه اليدوي أو بتوقيعه الالكتروني والمُتمثل بـ (الرقم السري/PIN CODE)، فالمسؤولية على البنك إرجاع الأموال المسروقة إلى العميل، وقد يتحمل العميل بعض المسؤولية بحسب مساهمته في هذا الاختراق وتمكين اللص من سحب أمواله، كل حالة بحسب تقدير ظروفها، والرأي الأخير حتماً في تقدير توزيع المسؤولية يعود إلى القضاء والوقائع.
وتجدرُ الإشارة إلى أن استخدام البطاقات الائتمانية، يُصاحبه مبادئ والتزامات أخرى، من ذلك: أن على التاجر – وأقصدُ فيه صاحب جهاز السحب من البطاقات المُتوفر لدى المحلات – التزامٌ بالمحافظة على النقطة الطرفية لنظام نقاط البيع بمتجره، لمنع الشخص غير المُخول من الدخول إليها أو إساءة استخدامها، وكذلك مسؤوليته من التحقق من صحة توقيع حامل البطاقة مع التوقيع المُدَوَّن خلفها، وكذلك: التزام البنك بتقديم فواتير الشراء المُثبِتة للعمليات عند طلبها من البنك، وقد أصدرت اللجنة العديد من الأحكام القضائية ببراءة ذمة العميل حامل البطاقة من مديونية العمليات المُعتَرَضْ عليها، عندما اعترض العميل على بعض عمليات الشراء التي تمت خارج المملكة باستعمال بطاقته، في حين أنه يؤكد أنه لم يستعملها، ولم يقدم التاجر فواتير الشراء، ولمن أراد أن يرجع في ذلك (مثلاً) لقرار اللجنة رقم (112/1425).
ثالثاً: حالة اختراق العميل لبطاقته المُستخدمة في منصة البريد السعودي الوهمية:
ولن أكون في الحالة محل المناقشة، قاضياً فيها، ولكن السؤال: هل المعلومات التي أفصحَ عنها العميل سرية؟ وهل إعطاء العميل لبيانات بطاقته الائتمانية أو جواله أو إيميله أو رقم هويته الوطنية، يُعدُّ مُخالفة؟ وأكاد أجزم، أنها ليست مُخالفة، ومن يدعي أنها مُخالفة عليه إثبات ذلك، أو تقديم مُستنده النظامي، فنحن نتعامل ببطاقاتنا الوطنية ونصورها لمن نتعامل معه، فهي بذلك ليست سرية، كما أننا نُعطي بطاقاتنا الائتمانية إلى البائعين في المحلات، وهم يطلعون عليها من الجانبين، فهي بذلك ليست سرية.
وعلى ذلك فالمواطن الذي دوَّنَ بياناته لمنصة البريد السعودي وإن كانت وهمية، لم يُخطئ، وإنما المسؤولية تقع هنا على البنك، بوصف العملية مرت وتمت دون توقيع من العميل أو اعتماد، وللقضاء وحده تقدير مدى مشاركة العميل فيما لحقه من ضرر.
رابعاً: الخاتمة:
1- نعم إن التوعية مُهمة جداً للعملاء، للحفاظ على معلوماتهم الخاصة، والتَوَثق من المواقع محل الاستخدام، ولكن ذلك لا يكفي، فالحملة شرسة والناس مُستقصَدَة، ولذا على بنوكنا الوطنية والبنك المركزي أيضاً مسؤوليات، عليهم واجب الالتزام بها.
2- إنه وإن كانت لا توجد إحصائية مُعلنة عن حالات الاختراق، ونتمنى أن تكون قليلة، إلا أن وجودها يُرتّبُ التزاماً أصيلاً على البنك المركزي والبنوك في حماية المصداقية وأموال العملاء، وهو مطلب اقتصادي بنكي أصيل يجب أن لا يتزعزع، فثقة الناس هي الأهم هنا، ولذا وجب تعويض من اختُرقت حساباتهم بلا توقيع أو خطأ منهم، تعويضهم عاجلاً، مع الإعلان عن ذلك للملأ، لنُعلن للجميع التزام البنوك تجاه عملائها، والتزام البنك المركزي في إقرار تلك المصداقية، والكتب البنكية القانونية والأدبيات تؤكد على تلك المصداقية، وأن خسارة البنوك من تلك الاختراقات لا تُقارن أبداً بالتفريط بذلك.
3- إن من الأهمية، التزام البنوك بما يصدر من مبادئ قضائية عن اللجنة المصرفية في المملكة.
4- إننا نشُدُّ على أيادي مستشارينا في إدارة حماية العملاء في البنك المركزي، ليكون دورهم فعّال حازم في سبيل حماية العملاء وتوثيق مصداقية البنوك.
5- إننا في عصر تحقيق رؤية مملكتنا الغالية، النشطة في تسهيل الإجراءات والرّقمنة، ولكن ذلك يتطلب – تحقيقاً لتوجيهات قيادتنا الكريمة – الإتقان، ولأجل ذلك نسمح لأنفسنا الضغط على المنظومة البنكية والبنك المركزي في سبيل إجراء الدراسات وسن التشريعات والإجراءات الحمائية والتعويضية، حماية للمنظومة الآمنة الشاملة، لاقتصاد وبنوك نفخر بها ونعتز بمكانتها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال