الأسواق بين الهوس والاكتئاب

رصد أطباء النفس مرضاً اسمه (ثُنائي القطب) وفيه تتعاقب على المريض نوبات من الهوس الحاد ثم الاكتئاب الشديد، ففي نوبة (الهوس) يُصاب المريض بزهوٍ عظيم وقد يصل به الحال حدود (جنون العظمة) ويُصدر وعوداً هائلة وقد يحرِّر شيكات بلا رصيد ويحس بأنه (فلتة بين العالمين ) وفي هذه الحالة يكون المصاب في نعيم وأهله في جحيم، ولكنه لا يتمتع بهذه العظمة طويلاً إذ يضربه بعدها اكتئاب حاد يخسف به لأسفل السافلين، والمصابون بهذا المرض جديرون بالتعاطف والفهم والعلاج ولكن المشكلة أنهم في مرحلة الهوس يرفضون العلاج لأنهم يعتبرون أنفسهم في هذه الحالة قمة القمة وأصح الناس فكيف يرضون بعلاج يطرد هذه النشوة البالغة والسعادة الكاذبة؟ أما في حالة الكآبه الحادة فهم يتقبلون العلاج..

مايحدث للأفراد يحدث لأسواق الأسهم، فحين يمسها الهوس الجماعي تكوِّن فقاعة أصول خطيرة تسعد كثيراً من المتداولين وتزعج القائمين على الاقتصاد، كما حدث لسوقنا حين وصل المؤشر فوق ٢٠ ألف نقطة، فمنذ تجاوز العشرة آلاف والهوس يجري في أوصاله ثم أخذ يُدَمْدِم ويسري بسرعة ويجرف معه كثيراً من العقّال الذين احتاروا لأنهم كلما باعوا ارتفع السوق أكثر وأكثر.. وبما أن الهوس لا يدوم فقد عاد المؤشر للاضمحلال حتى وصل الى سواد الاكتئاب حين لامس الأربعة آلاف أو كاد.. هناك متخصصون في هذه الحالة من الأسواق لا يشترون حتى يضربها الاكتئاب الحاد، ولا يبيعون حتى يتسلقها الهوس الحاد، وهناك من يُجرون ثلاث أو أربع عمليات بيع وشراء في العام كله حيث لابد أن تصاب الأسواق خلال عام بجزء من الهوس والكآبة وان لم يصل لحد الكساد أو الفقاعة.
نقلا عن الرياض