المرأة والمال وموارد الصحراء!!

أُحل لأبينا الأول آدم عليه السلام جميع ثمار الجنة إلا ثمر شجرة الخلد فقد نهاه الله أن يقرب من تلك الشجرة هو وأمنا حواء عليهما السلام، إلا أنه بتسويل وتطميع من الشيطان لهما في المُلك والبقاء في الجنة فكانت النتيجة لتلك المخالفة، مفارقة أسرتنا الأولى الجنة والنزول لهذه المحطة المعقدة (الحياة الدنيا وصراعاتها) مع عدوهما الذي سول لهما، وطبيعتها الابتلاء، ومن هذه المقدمة، هيا بنا لنسبح مسافات في بعض من الخيال، بعد مغادرة الجنة ذات الرزق المضمون بلا سعي، نبدأ مع الصحراء وابن الصحراء الذي أصبح يسعى في لملمت أرزاقه المشتتة تلوح له في آفاقها كالسراب، بعدما أُنزل أصله ابتداءً إليها، فتأقلم في كونها وتكيف مع طبيعتها وتقلب مع تقلبها فابتدأ بمهنة الصيد ثم أعقبها مهنة الزراعة والفلاحة ثم الصناعة ثم ها هو يعيش في مهنة انفجار المعلومات ويدّعي سيطرته على الفضاء، الأمر الذي زهّده في مكونات الحياة الأساسية وربما هجرها، مع شموخ الجبال وثباتها والأودية وجريانها والسماء وآفاقها مع كل هذه العظمة في محيطه وبقية النعم يراها بعبقريته هونا، وفصول السنة تجلده بمؤثراتها في طباقته المتحولة من طور إلى طور لا يستطيع تجميلها واخفاء تجاعيده بالمكياج لكي يزداد في مرحه ولهوه، هكذا كلما أعجبه مكانا نصب خيمته لابنة الصحراء على بقايا أطلال انسان الأمس ويسجع كالطير بالألحان، ويرتع زمنا حتى يمل أو ينوض له في الأفق بارق، فيتبع ذلك البارق بحادية تسوقه خلفها طربا، أوتارها أغصان الشجر، فتارة يزن ايقاع قافيته على صوت الريح لتطير بمتاعبه، وتارة على تموجات الرمال لتخفي تحتها آلامه، وأخرى على صوت الرعد وهطول المطر تستعيد نشاطه وحيويته، ويسحب بحره على مشي إبله، أما الحرف فينتقيه من تحت أخفافها الاسفنجية ممسوحا بلا نقاط، وتعطيه هي الأخرى تحية بتعطف أعناقها ونظراتها إليه بالإعجاب والعشق لصاحبها، فيزيد في مسحوبه وحاديته، فيطول السير متعة معه، ويحلو السمر مع نجومها في الصيف وعلى حطب السمر في الشتاء، فيقطع الفيافي تلو الفيافي دون شعور بمعقداتها.

وحقيقة هذه المحطة لا تُبقي على حال فمرة خصب ومرة جدب، فعندما يتزيّن خصبها، ينأ هو عن أصله ويغفل باللهو والمرح والركض خلف سراب الصحراء فينسى، حتى يفاجئه القدر بجدبها الرمادي، وقد يطول بلائه بالجدب فتصبح غبراء بعدما كانت خضراء، فيَنفق الصيد والطير والوحش وقد تتبعها بقية الزينة من المال والعيال والأنعام وأنواع تراثه، فلا عين لطير ولا أثر حتى يقال قد كان بالأمس.

فكل إنسان طبيعي في هذه الحياة، يطمع أن يعيش في أسرة وحياة كريمة كطمع أبونا آدم مع أمنا حواء عندما أكل من الشجرة، وجمال الحياة لا يكتمل إلا في ظل وجود المرأة والمال معاً، ففي حضور حفلت زفافهما يقال له منك المال ويقال لها هي الأخرى منك العيال، دعاء فطرة توارثه المجتمع، وقد تقذفهما الأمنيات والأذواق بعيدا عن الفطرة، فبدل ما يسعيان لتحقيق مقاصد الأسرة الكريمة، تختلف طعوم مشاربهما فتنفلت الحياة فتصبح قيمة الفاتورة على المجتمع مكلفة جدا لاصلاح آثارها الاجتماعية قبل إصلاح آثارها الاقتصادية إذ جودة الأسرة هي جودة الحياة فمن التهى عن خدمة دِينه أنهكه خدمة دَينه، كذلك في الخيمة تجد جودة الحياة ومتعتها ربما تفقدها على الأرائك وفي القصور.