الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أستاذ المالية والتأمين الإسلامية المساعد
Aysha_AlSalih@
تطرقت في مقالي السابق إلى المرابحة كأحد صيغ التمويل الإسلامي الحديث، وكيفية قيام المصارف الإسلامية في تحديد وحساب الأرباح الناتجة عن هذه العملية، كما استخلصت أيضا أن عملية المرابحة تحاكي إطار ومعايير المصارف التقليدية، حيث أن الناتج الصافي للعميل (المقترض) ضمن التمويل الإسلامي، هو نفسه في الاقتراض من المصارف التقليدية، بل أن الفائدة قد تكون أعلى في التمويل الإسلامي. والمرابحة في القديم كانت ممارسة تجارية بسيطة صممت للمعاملات بين البائع والمشتري الحقيقي في السلع المادية، والبنوك ماهي إلا مؤسسات مالية جل عملها قائم على إستقطاب رؤوس الأموال ومن ثم القيام بالإقراض أو الإستثمار.
واليوم سوف نتناول ممارسة تعرف باسم التورق،monetization of a commodity، والتي تحضى بشعبية كبيرة في تمويل البيع بالتجزئة الإسلامي، والذي يمارس كثيراً في دول مجلس التعاون الخليجي كبديل شرعي للقرض الربوي الذي تقدمه المصارف التقليدية من جهة، وكبديل عملي منسق للتورق الفردي، الذي يمكننا تعريفه بأنه شراء سلعة في حوزة البائع وملكه، بثمن مؤجل، ثم يبيعها المشتري بنقد لغير البائع، للحصول على النقد (الورق)، واستدل جمهور أهل العلم على جواز ذلك ولسنا بصدد الحديث عن حكم التورق في هذه المقالة.
أما بالنسبة للتورق المصرفي فيقوم البنك الإسلامي ببيع سلعة بالأجل لعميل ما، ومن ثم يقوم بالترتيب للعميل لإعادة بيع هذه السلعه للحصول على النقد، وبالتالي يحصل العميل على المال المطلوب. ولتوضيح ذلك يمكننا استخدام المثال المتعلق ببيع وشراء المعادن مع اختلاف بسيط في الآلية لتمثيل عملية التورق المستخدمة في المصارف الإسلامية وبيان اختلافها عن صيغة المرابحة، حيث أنه في عملية التورق، ينسق المصرف للمشتري لبيع المعادن في الحال في سوق السلع بقيمتها السوقية التي تعادل (10,000) ريال مثلا (نفس قيمتها عند الشراء)، في هذا السياق لا يقوم أي طرف من الأطراف بحيازة أو امتلاك المعادن ولو لجزء من الثانية، ونتيجة لذلك تكون المعادن قد تم شراؤها وإعادة بيعها إلى السوق مره أخرى، ما ينتج عن هذه العملية هو حيازة المشتري لمبلغ (10,000) ريال، والوعد من جانب المشتري لدفع مبلغ (11,000) ريال للمصرف في غضون عام واحد، وهنا نجد أنه لا يختلف اثنان على أن مبلغ (1000) ريال الزائدة على قيمة البضاعة الأصلية هي في الحقيقة “فائدة” ضمنية.
وهنا يتبين لنا بأن التورق المصرفي – مع أن ظاهره البيع – فإن حقيقته قرض بزيادة، والراجح أنه بيع كسائر البيوع، وإن أكثر عمليات الشراء تنتهي بالبيع مرات ومرات، حتى تصل إلى مستهلكها النهائي، كما أن عملية التورق في المصارف الإسلامية تتم وفق عملية شراء وبيع دون شرط الحيازة، وهذا يخالف تطلعات المستهلك بالحصول على المال وفق معاملات إسلامية مناسبة، أيضا ينتفي من هذه الصيغة تحقيق الغاية من التمويل الإسلامي في توزيع المخاطر (حيث أن المخاطر أقرب إلى الصفر لصالح البنوك)، وفي المقابل يتحمل طالب التمويل في الغالب كلفة أعلى في التمويل الإسلامي.
والتطبيق الصحيح للتورق المصرفي يتطلب انفصالَ أجزائه عن بعضها البعض، وعدم اشتراط بعضها في بعض، فإذا اشترى العميل من البنك سلعةً بالأجل، فهو بالخيار! إن شاء باعها ليحصل على النقد، أو رغب في الاحتفاظ بملكيتها، أو قبضها، أو توكيل طرف آخر غير البنك، فيجب أن يكون كلُّ ذلك متاحًا له.
والسؤال هنا من المسؤول عن هذه الممارسات المالية بهذه الصيغة؟
وللحديث بقية …
الصالح
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال