الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خلال شتاء احدى سنوات نهاية ثمانينات القرن العشرين، وفي احدى قاعات واحدة من أعرق الجامعات السعودية، كان البروفيسور الكبير واقفاً أمام مجموعة صغيرة من طلاب الدراسات العليا بكلية الطب، وكان الجميع ينظر اليه بترقب، لينهل من علمه الوفير وتجاربه الريادية الصلبة في التفكير خارج الصندوق وقيادة المبادرات الجديدة. فهو الذي ابدع وترجم ونقل وأصر وخاض الصراعات، حتى يصل بالتثقيف الصحي وطب الأسرة لتلك المكانة في البلاد.
الكل يود ان يقتدي بالبروفيسور، بل ان بعضهم يحلم ان يكون مثله في كل شيء، مكانته، هيئته، اناقته، ذوقه الرفيع حتى في الموسيقى!!. لذلك كما كان يهم هؤلاء الطلاب ان يحصلوا على نصيبهم من علمه في طب الأسرة والصحة العامة، كان لديهم هاجس قوي في معرفة المزيد من وراء تلك الغترة ويود الواحد منهم ان يرى ما يراه البروفيسور من خلف نظارته السميكة. لما يراه الجميع من كونه سابقاً لعصره في الأفكار والمبادرات.
وقبل ان يختتم محاضرته الأخيرة، بعد أعوام حافلة، تقدم الطالب المتفوق “فارس” بكل احترام إلى طاولة البروفيسور، وقال بهدوء: لدي طلب اخير قبل الفراق.. أود أن تخبرنا عن توقعاتك لنا بعد ان نتخرج، هل تتوقع ان ننجح في تحقيق شيء مميز كما فعلت انت، ام اننا سنكون مجرد طارىء وارد على هذا الكوكب. رد البروفيسور وهو يمسح نظارته بهدوء وابتسامة حانية: تفضل يا ابني عد إلى مكانك، وسأرد على سؤالك.
عاد البروفيسور إلى المنصة لينظر إلى الأعين المرتقبة قائلاً: انتم عشرة أطباء، عشرة شباب، عشرة سعوديين، انا واثق ان بعضكم او اغلبكم سيبذل جهده لسد خانات هامة في مستقبل الطب، وسيساهم بعضكم في تحقيق الأمن الصحي في بلادنا التي صمدت منذ سنة الرحمة الأولى أمام الانفلونزا الإسبانية في العشرينات وصولاً إلى الكوليرا في السبعينات، ستكملون المسيرة العطرة وستمثلون جزءً من الجيش الأبيض، واستطرد البروفيسور وهو يدير وجهه نحو فارس: ولكن ما أرجوه، ان ينال احدكم الشرف بأن يكون أداة للتغيير والتطوير بما يجعل أمتنا السعودية في مصاف الأمم المتقدمة ان شاء الله.
قصة حقيقية اكتبها بتصرف، حدثت في تلك الفترة من ثمانينات القرن العشرين وكان بطلها سعادة البروفيسور زهير السباعي عضو مجلس الشورى الأسبق والعميد المؤسس لكلية الطب في جامعة الملك خالد وصاحب برنامج الطب والحياة الذي كان من اوائل البرامج العربية التي كانت أداة للتغيير في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين. واكمل القصة هنا بالطبيب “فارس” وهو يشارك كطبيب مع تقنيين وخبراء حوسبة وتسويق ضمن فريق إطلاق تطبيق صحتي الإلكتروني الذي وضع هو وبقية التطبيقات الرقمية اسم المملكة في المركز الثالث عالمياً، وذهب بتفكيره بعيداً وهو يتذكر كلمات البروفيسور “طوبى لمن كان منكم أداةً للتغيير”، ورفع رأسه للسماء ليشاهد طائرات صقور السعودية، انه العيد الوطني الواحد والتسعون، هنيئاً لوطننا بأبنائه وبناته الابطال في القطاع الصحي والعسكري والاقتصادي، وهنيئاً لنا جميعاً بهذا الوطن العظيم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال