الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مستشار قانوني
استثمار الفرنشايز «Investment Franchise» هو أسلوب تجاري يرتكز على عقد يقتضي الموافقة على استخدام حق أو أكثر من حقوق الملكية الفكرية والصناعية أو المعرفة الفنية لإنتاج سلعة أو توزيع منتج أو خدمة تحت العلامة التجارية التي ينتجها أو يستخدمها مانح الحق «الامتياز» وفقاً لتعليماته وتحت إشرافه حصرياً في منطقة جغرافية محددة ولفترة زمنية محددة مع التزامه بتقديم المساعدة الفنية وذلك مقابل مادي أو الحصول على مزايا أو مصالح اقتصادية. هذا مفهوم الفرنشايز وفقاً لجمعية الفرنشايز العالمية «International Franchise Association» التي وضعت أكثر من 75 فئة مختلفة لتصنيف الأعمال يمكن أن تكون محلاً للفرنشايز، فأي مشروع عمل يمكن أن يخضع له.
يرجع ازدهار الفرنشايز للتطور الاقتصادي وثمرة الانضمام لمنظمة العالمية للتجارة «WTO» ، حيث شجعت مزايا الفرنشايز انتشاره الواسع دولياً لما يحققه من توسع وانتشار سريع في الأسواق المستهدفة دون تحمل تكاليف باهظة، وتحسين لبيئة الأعمال، وخلق وظائف جديدة في سوق العمل، وتشجيع الاستثمارات الصغيرة على النمو بالاستفادة من اسم مانح الامتياز وعلامته وشهرته التجارية، مما يرفع فرص نجاح الاستثمارات ويقلل مخاطر الخسائر، من جانب آخر فهو يمنح الأعمال فرصة للتدريب وفرص أوسع للحصول على تمويل من المؤسسات المالية، لثقتها في نجاح المشروع وبهذا يسهم الفرنشايز في الإنماء الاقتصادي والتجاري، ويحفز الشركات المحلية لإِعادة ترتيب أوراقها لتنافس مستوى شركات الفرنشايز.
عالمياً فإن عدد الشركات المانحة للفرنشايز يزيد على 20 ألف شركة، غالبيتها شركات أمريكية تسهم سنويًا بحوالي900 مليار دولار من قيمة الناتج المحلي الأمريكي. وقد استفاد الاقتصاد السعودي من المساهمة في عقود الفرنشايز حيث تشير احصائيات شهر يوليو 2004م إلى 200 حق فرنشايز يشمل مختلف الأنشطة، وتدرج الاقتصاد السعودي في تعامله مع عقود الفرنشايز على مراحل ابتدأت في أواخر السبعينات بدايات الثمانينات الميلادية بتسجيل بعض عقود الفرنشايز في المطاعم وقطاع الخدمات لتزدهر عقود الفرنشايز إبان التسعينيات، وتحاكي ذلك بعض الشركات السعودية بمنح امتيازاتها خارج السعودية مما يعد نقلة لبداية صناعة الامتياز التجاري بالسعودية عام 1994م. وازداد الاهتمام مؤخراً بعقود الفرنشايز من خلال تمويل مشاريع ممنوحي الامتياز التجاري، ومحاولات تشريع العقود ومأسسة تلك الإجراءات كوسيلة لتطوير بيئة الأعمال ودعمها؛ تمهيداً لتصدير نجاحها للخارج مستقبلاً. ويبلغ حجم تداول الفرنشايز في السوق السعودي قرابة 3 مليارات دولار.
وتتباين الدول في تفسير عقود الفرنشايز بما يتماشى مع قوانينها المحلية، فلا يزال الجدل قائماً بشأن الترجمة القانونية الصحيحة له، فمصطلح «امتياز تجاري» لا يعبر بدقة عن المحتوى المتعدد التصنيفات. ويمكن إيضاح مفهومه العام من خلال تصور أن مطاعماً أنتج وجبة استحسنها الجمهور، بعد أن قام صاحب المطعم بشهرها بجودة المنتج والخدمة والاهتمام بالتفاصيل ونشرها بالتسويق والدعاية، فإِذا رغب المطعم في توسيع أعماله وزيادة حصته بالسوق فعليه أن يختار بين: أن يضيف عبئاً مالياً باستحداث نفقات رأسمالية لإنشاء فروع أخرى وتحمل تكلفة تشغيلها وإدارتها، أو أن يبيع حق استخدام اسمه وعلامته التجارية «الامتياز» لمن يقوم بالمهمة بالنيابة عنه وفقا لمواصفاته. ويحقق هذا التعاقد مزايا عديدة لا تتحق من خلال التعاقد عبر التوكيلات التجارية أو التراخيص التي يقتصر العمل فيها على توزيع منتجات المطعم الأساسي؛ لأن الفرنشايز يتيح «استنساخ» التجربة الناجحة مما يقلل مخاطر الخسارة.
وأشهر عقود الفرنشايز قصة الأمريكي رايموند كروك الشهير بــ«راي» Ray Kroc عرّاب سلسة ماكدونالدز، حيث لم يخترع راي شطائر الهامبورجر بل استغل حسه التجاري بإقناع الأخوين ماكدونالد «ديك ريتشارد، وماك موريس» بأنه قادر على توسعة نشاط مطعمهما بلا تكلفة عليهما، حيث قام في مارس 1955م بتسجيل شركة أطلق عليها شركة أنظمة ماكدونالدز تعد نظام صناعة الطعام السريع وتفاصيله كما هي طريقة الأخوين ماكدونالد في مطعمهما، وحصل على حق الفرنشايز في تلك الشركة، فكان راي يحصل على 1.9% من إجمالي مبيعات المطعم الذي يحمل اسم ماكدونالدز في حين يذهب نصفها إلى الأخوين ماكدونالد. وعندما بدأت المشاكل تدب بين راي والأخوين ماكدونالد بشأن إدارة المطعم، عرض راي على الأخوين شراء النشاط بالكامل في عام 1961م مقابل 2.7 مليون دولار، وبعد المثابرة والنجاح قام راي بطرح أسهم شركته ماكدونالدز في البورصة عام 1965م.
تترجم هذه القصة مثالاً واقعياً لكيفية توسيع الأعمال المحلية الصغيرة، بل ونقلها إلى العالمية وكيف ساهم الفرنشايز في خلق صناعة متقدمة؛ حيث تشير الإحصائيات أن الفرنشايز وفرَّ ما يقارب من 18 مليون فرصة عمل في أميركا، فكانت أمريكا رائدةَ الفرنشايز عالمياً ومعقل الأفكار التجارية، وأضحى الفرنشايز بمثابة «الفانوس السحري» الذي هيمنت بواسطته الشركات العالمية على عدد من الأنشطة التجارية في العالم الذي يرحب به كبوابة لنقل المعرفة الفنية والتكنولوجيا وترقية للمشاريع الإنتاجية، مما يخلق فرص عمل في سوقها، ويساعد في دعم بدايات المشاريع الاستثمارية، لأن الفرنشايز أحد الترجمات العملية لمقولة «كلما ساعدتُ الآخرين على النجاح ازداد نجاحي».
إنَّ دعم المشاريع التجارية لا يقتصر على التمويل فحسب، بل يجب أن يكون جهداً مؤسسياً يستغل الفرنشايز كبوابة عبور لتطوير نماذج الأعمال لتحاكي التجارب الناجحة. من جهة أخرى فإن تمويل احتياجات المعوزين والمحتاجين يجب ألا يقتصر على السيولة النقدية حيث عَزت دراسة محلية سبب فقر 90% من السعوديات لحرمانهن من الانخراط في سوق العمل، وكما قيل في المثل «علمني الصيد خير من أن تعطيني سمكة كل يوم»، فقد حققت صناعة الفرنشايز في ولاية كاليفورنيا فرص عمل للمرأة والأقليات المحتاجة، وقادت نمو المبيعات ورفع الناتج المحلي، وبخاصة نجاح تجربة أعمال الفرنشايز المنزلي «Home-based franchises»، فكم من الأعمال والخدمات يمكن أن تقدم من المنازل بفضل التقنية الحديثة. بل إن الفرنشايز تعدى مفهومه فشمل الملتقيات والمعارض حتى إن منتدى دافوس الاقتصادي أعطى فرنشايز/امتياز لإقامته بالصين، وأمريكا اللاتينية.
إنَّ الملاحظَ لطموح الشباب السعودي وطاقته التي يجب أن تستغل ليدرك أهمية انخراطهم في سوق العمل بدلاً من مجرد التركيز على القضاء على البطالة عن طريق التوظيف. إنّ خلق فرص الأعمال لا يقل أهمية عن التوظيف فسوق العمل يحتاج تلك السواعد الفتية ذات الأفكار التي إذا ما وجدت الدعم المناسب والتوجيه السليم أبدعت وصدرت الفكرة إلى دول العالم. وهذا يتطلب أن تتولى جهة مؤسسية تنظيم ودعم «صناعة الفرنشايز في السعودية»، وتحويل الأعمال المبعثرة الصغيرة إلى مشاريع ناجحة. فكم من المهن والأعمال والخدمات يقدمها الوافدون يصعب على شباب وشابات الوطن منافستهم مالم يكن لهم كيان احترافي يدعم أعمالهم. إن ذو القرنين بالرغم بما لديه من خبرة فنية وقوة جعلت أهل السدين يعرضون عليه التمويل مقابل بناء السد يردم به يأجوج ومأجوج إلا أنه قالَ لهم «مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ، فَأَعِينُونِي»، فإن الأعمال لا تظهر للوجود بدون دعم وإعانة وهذا ما يحتاجه شباب الوطن.
الهبوب
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال