الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
لم تكن الأزمة العالمية التي بدأت عام 2008 الأولى في التاريخ ولن تكون الأخيرة. الأزمات تتكرر في الدورات الاقتصادية من فترة لأخرى حيث يحصل ما يمكن أن نطلق عليه تصحيحا اقتصاديا ثم يعود الاقتصاد لاستكمال نموه.
أعتبر الأزمة تصحيحا لأن الاقتصاد عندما تتضخم بعض قطاعاته بشكل غير متناسق وعلى حساب المعايير الاقتصادية الأساسية فإنه لا يمكن الحفاظ عليه فتحدث الأزمات بشكل طبيعي. الأزمات التي أشير إليها لا تعني انهيارا اقتصاديا، فذلك مختلف ويعني فقدان مقومات العمل الاقتصادي وعدم القدرة على العودة إلى الانتاجية الطبيعية.
أنا من الرأي الذي يعتبر أننا مقبلون على أزمة اقتصادية أو أننا فعليا لم نخرج بعد من أزمة 2008. هل أعني بذلك أنني أتوقع انهيارا اقتصاديا؟ بالقطع لا.
لا داعي لتكرار مسببات الأزمة فهي ما نسمع به كل يوم من تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني إلى انخفاض أسعار النفط وضعف الطلب عليه إلى عدم قدرة الاقتصاد الامريكي على التعافي الكامل بعد. في المقابل يهمني التركيز على المقومات الايجابية التي تجعل الأزمة المحتملة قصيرة وقابلة للزوال في وقت وجيز نسبيا.
وصلت الاقتصادات الكبرى إلى أدنى ما يمكن أن تصل اليه من حيث الانتاجية والأرقام الاقتصادية خلال السنوات الماضية، وأعني هنا تحديدا أمريكا وأوروبا واليابان وبريطانيا. معظم تلك الدول واجهت الأصعب وعالجته. بقي الكثير من المشاكل والمخاطر التي من الممكن أن تؤثر سلبيا مرة أخرى، لكنها لن تكون بحجم ما مضى. المشكلة الان صعبة ولكنها اسهل مما سبق. كان على الدول الكبرى أن تخرج الاقتصاد من مرحلة الانكماش الى مرحلة النمو وقد نجحت في ذلك. التحدي الحالي هو امكانية الحصول على نمو مستمر وهو ما اراه يحتاج الى مزيد من الوقت. تحفظي هنا على الافراط في استخدام السياسات النقدية على حساب الاصلاحات الاقتصادية، لكن في النهاية سيعود الجميع الى الاقتصاد والانتاجية.
الاقتصاد العالمي اليوم أكبر ب 35% مما كان عليه عام 2007. أي أن حجمه زاد بتلك النسبة على الرغم من كل سلبيات الأزمة والإفلاسات الكبرى ووصول بعض الدول إلى حافة الإفلاس. لو نظرنا إلى الاقتصاد الامريكي مثلا خلال نفس الفترة نجد أنه نما بنسبة 18% وأصبح حجمه 17.4 ترليون دولار نهاية العام الماضي. نمو الاقتصاد بتلك النسب وبلوغه الاحجام الحالية يعني بكل تأكيد أن هناك أساسيات باقية وأن هناك مناطق وقطاعات قوية تدعم النمو رغم الأزمات.
أما في الصين حيث تتجه كل الأنظار حاليا بسبب التباطؤ الحاصل لنموها الاقتصادي فقد نما اقتصادها بنسبة 194% منذ 2007 حتى وصل حجمه الى أكثر من 10 ترليون دولار، والأهم من ذلك أنه ما زال ينمو بنسبة تقارب 7%. مشكلة الصين حاليا أن التباطؤ جاء مصاحبا لأزمة أسواقها المالية التي تضخمت بحجم كبير جدا.
وفي رأيي أن السوق المالي الصيني لم ينضج بعد بما فيه الكفاية لنعتبر أنه ينعكس على الاقتصاد بشكل مبالغ فيه. الدولة في الصين هي المحرك الأساسي لعملية الاقتصاد وهي من يتحكم بالتوجهات والمشاريع وهذا لن يتغير في المدى المنظور. كما أن النمو الصيني كان في كل القطاعات ولم يكن معتمدا على التضخم المالي والنقدي فقط.
نشأت صناعات ضخمة في الصين وأصبحت دول كثير تستورد من الصين. أيضا أصبحت الصين من أكبر المستوردين للمواد الخام لاستخدامها في صناعاتها. زاد عدد السكان في العالم منذ الأزمة العالمية بحوالي 6% وبالتالي زادت نسبة الاستهلاك. تزايدت أيضا المنتجات العالمية التي تبحث عن كلفة الانتاج الرخيصة والتي لا يوجد للصين منافس فيها حتى الان. لذلك فإن الاقتصاد الصيني سيستمر في النمو مهما تباطأ، وسيعود الطلب على المواد الخام ومن ضمنها النفط. كما أن الاقتصاد الامريكي والاوروبي سيستعيدان توازنهما في وقت ما مما سيريح الاقتصاد الصيني ويخفف الحمل عنه. لا أشك أن كل الاقتصادات ستعود للنمو لكني أتمنى أن يتجه صناع القرار ألى القرارات التي تسرع من ذلك ولا تؤخره.
في المنطقة العربية المنتجة حاليا، أي دول الخليج، والتي أعتبرها أقل تأثرا بأي أزمة محتملة، أورد مثالين. أولا في السعودية، فقد بلغ حجم اقتصادها نهاية العام الماضي 746 مليار دولار بزيادة 79% منذ 2007. أما في الإمارات حيث توجهت سهام النقد بشكل أساسي خلال الأزمة فقد نما اقتصادها بنسبة 55% وبلغ 400 مليار. أسواق المال في الدولتين أيضا تعتبر بحاجة للتطوير باتجاه النضج وهو ما نلمسه بشكل واضح مؤخرا. مع أنها ما زالت تتعرض لهزات خلال الأزمات أكثر من غيرها في الدول الأجنبية، إلا أن الاثر يخف تدريجيا ومع تطور الأسواق والنمو الاقتصادي المصاحب فإنها ستحقق نتائج ممتازة في قادم السنوات.
ما أتحدث عنه هنا ليس تخديرا أو تهوينا من أثر الأزمات الاقتصادية لكنه لتوضيح الفرق بين الانهيارات والأزمات. لسنا مقبلين على انهيارات، وإذا كنا نقول دائما أن الأزمات تصنع الثروات فإننا ضمنيا نتوقع زوال الأزمات مستقبلا.
الخطيب
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال