3666 144 055
[email protected]
متخصّص في القيادة و التّغيير
WaielAlrashid, [email protected]@
قال الشّاعر:
يابن الكرام ألاتدنوا فتبصر ما …. قد حدّثوك فماراء كمن سمعا!
هذا بالضّبط ماحصل معي عندما لبّيت دعوة كريمة لأكون ضمن وفد من مجموعة عقال (المهتمّة بريادة الأعمال) لزيارة مهرجان التّمور في القصيم الأسبوع الماضي فقد سمعت عن هذا المهرجان كثيرا؛ لكنّ شتّان بين الخبر و المعاينة.
إنّ مارأينا و سمعنا يضيق عن حصره مقال واحد لكنّي سأكتفي بعدد محدود من التأمّلات الشّخصيّة التي أحببت إشراك القاريء الكريم بها من خلال الوقفات التّالية راجيا أن يكون فيها الفائدة.
الوفقة الأولى:
أكّد علينا المستضيفون أن الانطلاق للمهرجان بعد صلاة الفجر مباشرة و بالفعل التزمنا بتوجيههم الكريم و انقدح في أذهاننا (أو البعض منّا على الأقلّ) أنّ توافد العارضين و البائعين و مسساعديهم سيكون بالتّدريج لكنّنا تفاجأنا باكتمال حضور الجميع بعيد الصّلاة مباشرة. و تبيّن لنا لاحقا أنّه من أجل اكتمال الجاهزيّة و ترتيب إجراءات الدّخول و الاصطفاف للسّيارات تتمّ في ساعات اللّيل حتّى تكتمل الجاهزيّة فور انقضاء صلاة الفجر!!.
ألم يكن أباؤنا الأوائل على هذا النّهج؟ لايعرفون السّهر كماهو النّهج النبويّ الكريم الّذي يحثّ على البكور باعتبار أنّ البركة في الرّزق و العمر تكمن فيه! و يعملون بلاكلل و لامملل لتوفير لقمة عيش حلال لهم و لأابنائهم؟
الوقفة الثّانية:
لن تحتاج أثناء التجوّل في المهرجان إلا لدقائق معدودة لتتحطّم لديك متلازمة (السّعودي لايعمل أو لايحبّ العمل!) إذ لم يكن الشّباب السّعودي متواجودا فقط بل إنّ العاملين من إخوتنا من غير السّعوديّين أقليّة بالفعل و يقومون بأدوار ثانويّة لاأكثر و عليه فلم يكن الشّباب السّعودي متواجدا فقط بل هو من يقود العمليّة بالكامل و بدرجة مذهلة من الجديّة و الحماس.
أذهلتني أرقام المبيعات و الهيكل التّنظيمي الّذي يدير عمليّات البيع الكبيرة المقسّمة على مايقارب من ثنتي عشرة مجموعة يقود كلّ مجموعة (دلّال) واحد. يتبع كلّ (دلّال) فريق كامل من الشّباب الجادّ المتحمّس الّذي لايكلّ و لايفتر عن تسويق بضاعته و إنهاء عمليّة البيع لكامل البضاعة في زمن قياسي و بعدها ينصرف الجميع إلى مصالحهم في غضون ثلاث ساعات و ربّما أقلّ!!. كلّ مجموعة تمثّل كيانا استثماريّا قائما بذاته و كلّ “دلّال” قائد و رياديّ يفرض احترامه و حقّ لنا الافتخار به و الاستفادة منه.
الوقفة الثّالثة:
بالإضافة إلى النّجاحات الماليّة و الاقتصديّة التي تشهد لها الأرقام يجد الزّائر للمهرجان أنّه يعيش فعاليّة سياحيّة و برنامجا ترفيهيّا هادفا و ممتعا. ذلك أنّ الباعة يبهجون المشترين بتفنّنهم في أساليب البيع و إدارة المزادات. على سبيل المثال إذا أرادوا إعلان آخر سعر وصل إليه المزاد و تحفيز زيادة السّعر قاموا بتقسيم السّعر إلى مقطعين (فإذا كان السّعر مثلا مئة و أربعبن يصوّت الأوّل بكلمة مئة و الثّاني بكلمة أربعين) و يتبادلان رفع الصّوت بالكلمتين بطريقة تحفيزيّة و مسليّة و بتناغم في الصّوت بينها حتّى يبادر مشتر آخر لكسر السّعر ارتفاعا. كما أنّ الباعة ينادون المشترين لمشاهدة بضاعتهم و الشّراء منها باستعارة عبارات لها استخدامات مختلفة على سبيل التّشويق المقبول فسمعنا أحدهم مثلا ينادي (ياباغي “التّمر” أقبل! استعارة من العبارة الشّائعة ياباغي الخير أقبل) فيطبع في ذهن السّامع أنّ بضاعته خير. كما أنّ للمهرجان مرافق للاستراحة و تناول الإفطار و الوجبات الخفيفة و جلسات مناسبة مطلّة على منظر المهرجان المبهج ممّا يعطي الزّائر أريحيّة و استرخاء و متعة أثناء متابعة هذه فعاليّات المهرجان.
الوقفة الرّابعة:
سعدنا بزيارة متحفين خاصّين لكلّ منهما جماله و سحره و فائدته. المتحف الأوّل “متحف العقيلات” الّذي يسعى لتوثيق شيء من تاريخ “العقيلات” و هم أجيال من التّجار الّذي كانوا يتاجرون بالبضائع و يقطعون في سبيل ذلك رحلات طويلة إلى العراق و الشّام و سواهما من البلدان على مدى أربعة قرون. تاريخ “العقيلات” ثريّ بالتّجارب و الآثار و الدّروس التي تخفى على كثير من أبناء الجيل الحاضر.
أمّا “متحف الدّبيخي” فهو جهد مشكور من قبل أصحابه حيث يعرض فيه منتجات الأجيال القديمة في المنطقة و أدواتهم التي يستعملونها في حياتهم اليوميّة آنذاك كما خصّص في المتحف قسم لنوادر الصّحف و المطبوعات القديمة الغنيّة بالأخبار و الصّور النّادرة و التي وثّقت أحداثا و فعاليّات في غاية الأهميّة.
في ختام زيارتنا لمتحف الدّبيخي و انتهاء حفل العشاء الّذي كان مميّزا كم كانت سعادتنا أنّ جميع الأصناف من نتاج الأسر المنتجة في منطقة القصيم الأمر الّذي زاد من تقديرنا و احتراما لمضيفنا الكريم.
الوقفة الخامسة:
تشرّفنا مع الزّملاء بزيارة المزرعة التي عمل على زراعتها و رعايتها رجل الأعمال المعروف الشّيخ صالح الرّاجحي رحمه الله. لاينقضي العجب ممّا رأينا و سمعنا فالعجب الأوّل ضخامة المشروع و ريادته حيث تبوّا المركز الأوّل في موسوعة جينيس العالميّة كأكبر مزرعة للنّخيل في العالم (ستة و خمسون مليون متر مربّع و مئتا ألف نخلة ماشاء الله لاقوّة إلّابالله). و العجب الثّاني أنّه يعمل في هذه المزرعة مئة امرأة يتولّين نزع الأقماع من التّمور من أجل لتهيئتها لمراحل الانتاج الأخرى.
إنّ من منحه الله مزرعة بهذا الحجم و الجمال و الرّوعة ثمّ يتّخذ طواعية قرارا بوقفها للّه سبحانه و تعالى مدعاة للعجب و الفرح و التّقدير.
خصّص لأخبار مهرجان التّمور وسم في برنامج التّواصل “تويتر” بعنوان #تمورنا_ذهب و بعد الزّيارة طرحت على نفسي سؤالا جعلته عنوان هذه المقالة.
وفي ختام هذه الوقفات المختصرة أظنّ أنّ إجابة سؤال عنوان المقال باتت واضحة للقاريء المنصف بأنّ هذه الوطن المبارك؛ رجالا و نساء؛ شبابا و شيبا؛ لديهم الكثير و الكثير ليقدّموه لبناء وطن نفخر و نباهي به الأوطان و الشّعوب دون انتقاص من أيّ منها.
إنّ رفع مكانة وطننا ليتبوّا مقام الرّيادة التي نصبوا إليها يحتاج إلى أن تتظافر جهودنا لرعاية مثل هذه المبادرات الإيجابيّة و الرّياديّة الجميلة و أن نستخلص الدّروس من نجاحاتنا الحاضرة لخلق نجاحات متزايدة و مستدامة لكي نبني مستقبلا زاهرا لأبناءنا و للأجيال القادمة و الله الموفّق.
الرّاشد
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734