المتابع للاقتصاد الوطني خلال أكثر من عقد يجد كثيرا من التحولات المهمة التي أثرت كثيرا في حالة الاقتصاد، حيث بدأ تدريجيا في الانفتاح للأنشطة التجارية والصناعية، وأصبح يميل تدريجيا إلى تحفيز مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي، إضافة إلى الانفتاح أكثر على الاستثمار الأجنبي وتشجيع المقيمين على الاستثمار في السوق المالية ومن ثم فتح السوق بنوع من التدرج للاستثمارات الأجنبية.
خلال الفترة القصيرة الماضية حدثت تقلبات في الأسواق العالمية بدأت بالارتفاعات المتواصلة للدولار مقابل العملات الرئيسة العالمية، وهذا بطبيعة الحال كان له أثر في أسعار السلع والمعادن والنفط حيث انخفضت أسعارها بشكل ملحوظ، والمتابع لأسعار الذهب يجد التحول الكبير في أسعاره إلى الانخفاض، والأمر كذلك في أسعار النفط الذي انخفض بصورة ملحوظة في فترة وجيزة. كثير من المراقبين والمهتمين بالاقتصاد الخليجي وبعض الكتاب والإعلاميين كان لهم وجهة نظر بأن الاقتصاد السعودي سيواجه صعوبات وتحديات كبيرة بسبب انخفاض أسعار النفط، وقد يتحول الأمر إلى أزمة قد تؤثر في الخطط الحكومة ومشاريعها التنموية، والبعض الآخر ذهب إلى أبعد من ذلك مستصحبا الوضع الاقتصادي في فترة تسعينيات القرن الماضي الذي تحمل خلاله الاقتصاد الوطني ديونا كبيرة، ولكن تلاشت تقريبا هذه الديون خلال العقد الماضي حيث تم سدادها تقريبا من فائض العوائد التي حققها الاقتصاد المحلي.
الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين إلى الولايات المتحدة كان البعد الاقتصادي فيها حاضرا باجتماعات بين رجال الأعمال والمسؤولين المعنيين مع الجانب الأمريكي من المستثمرين والمسؤولين، وشرف خادم الحرمين الشريفين أحد هذه اللقاءات وأعلن فتح الاستثمار الأجنبي المباشر بالكامل لقطاعي الجملة والتجزئة في المملكة.
قرار الملك يؤكد قضية قد لا يعتني بها البعض أو يعيرها اهتماما فيما يتعلق بالاقتصاد الوطني، إذ إن الوفرة المالية وتطوير الأنظمة التشريعية والبنية التحية في المملكة خلال العقد الماضي كان له أثر في تمكين الاقتصاد الوطني من أن يكون له خيارات متعددة لمعالجة احتمالات وجود عقبات أو صعوبات أو متغيرات كالتي نشهدها بسبب انخفاض أسعار النفط، علما بأن الأسعار الحالية يمكن أن تكون عوائد مقبولة للاقتصاد، ولكن على افتراض أن الأسعار الحالية يمكن أن تستمر لفترة أطول.
فتح السوق للأجانب للاستثمار بصورة مباشرة في قطاعي التجزئة والجملة دون الحاجة إلى مشاركة مستثمر من المواطنين سيكون له أثر كبير في تحفيز الاقتصاد الوطني، فمن دلائل قوة الاقتصاد الوطني ووفرة السيولة في السوق حجم التحويلات للأجانب التي تأتي المملكة فيها في مرتبة متقدمة، هذه التحويلات لا يمكن أن تكون بسبب رواتب القوى العاملة الأجنبية فقط، ولكن من الاستثمارات الناشئة عن استثمارات الأجانب في السوق السعودية من خلال التستر باسم أحد المواطنين كغطاء لهذا النشاط مقابل التزام المستثمر بدفع مبلغ محدد سنويا لذلك المواطن، ومثل هذا الأمر يضر كثيرا بالاقتصاد الوطني ويتسرب من خلاله الدخل المتحصل من عوائد النفط، ويمثل هذا النمط من الاستثمار نسبة كبيرة من أنشطة التجزئة والجملة، إن استحواذ بعض القوى العاملة على معظم الأنشطة ومزاحمتهم للمواطن كان له أثر في خروج بعض المستثمرين من المواطنين أو تحولهم إلى متسترين أيضا.
القرار يحمل أبعادا إيجابية للاقتصاد، فليس انخفاض الأسعار أهمها بل إصلاح السوق والحد من التستر في السوق، فيمكن للمستثمر الجيد في السوق حاليا أن يتقدم لهيئة الاستثمار بعيدا عن مساومة المتستر على نشاطه، كما يسمح لشركات عملاقة أن يكون لها مراكز إقليمية في المملكة، فقوة الاقتصاد ليست فقط في حجم الدخل الناتج عن عوائد النفط بل هو أيضا في النمو الكبير في أعداد المواطنين خصوصا من فئة الشباب، وما زالت الإحصائيات تشير إلى استمرار نمو عدد السكان في المملكة، كما أن القرار سوف يكون له أثر في تدفق الاستثمار في السوق المحلية وتنشيط قطاع الاستثمار العقاري والإيجارات، كما أنه سيكون له أثر في التوظيف، خصوصا أن الفترة الماضية كان الدعم الحكومي فيها لقطاع التعليم كبيرا، وهذا ما عزز من مهارات القوى العاملة الوطنية.
من دلائل النتائج الإيجابية للقرار إعلان شركة أبل فتح خمسة فروع للمملكة في إعلان واحد ما يؤكد الفرص التي توفرها السوق المحلية على نقيض النظرة السلبية للبعض تجاه الاقتصاد.
فالخلاصة: إن الاقتصاد الوطني لديه خيارات متعددة لمواجهة الصعوبات التي تواجهه حاليا لعل أحدها السماح للاستثمار الأجنبي المباشر بالكامل دون الحاجة إلى شريك من المواطنين ما قد يولد مزيدا من الوظائف الجيدة للمواطن، كما سينشط قطاع التأجير في القطاع العقاري والتمويل والاستثمار لدى المؤسسات المالية، وبالتالي تدفق مزيد من الاستثمارات للسوق.
نقلا عن الاقتصادية