3666 144 055
[email protected]
لم تحظَ المشاكل الاقتصادية العالمية بالتغطية الكافية التي تستحقها خلال الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة. فلقد انشغلت وسائل الإعلام بالصراع في الشرق الأوسط والسجال الخطابي الذي دار بين الرئيس الأميركي والروسي في الكلمتين اللتين القاها كل منهما. في حين ان المداخلات التي تمت في قمة التنمية المستدامة خلال الفترة 25- 27 سبتمبر، وعلى رأسها كلمة الرئيس الصيني شي جين بينغ، والتي وضعت لنفسها 17 هدفاً تسعى لتحقيقها قد تم تناسيها. وهذا ليس مستغرباً. بالعكس فهو يكرس الواقع الذي يعيشه العالم.
بالفعل فإن النظام العالمي بعد انتهاء الحرب الباردة قد شغل نفسه للأسف بالحروب والعديد من الترهات التي قوضت جهود التنمية في البلدان النامية والاقتصاد في العالم. بل ان رعاة هذا النظام قد نسوا أو تناسوا كل الجهود التي بذلتها بلدان عدم الانحياز، من أجل إقامة نظام اقتصادي عالمي أكثر عدلاً، والتي تم تجسيدها في العديد من القرارات التي اتخذتها دورات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم. فهذه المقررات وغيرها قد تم تناسيها مع قيام منظمة التجارة العالمية عام 1995.
وأنا أعتقد أن ما نشهده من فوضى في هذا العالم هي نتيجة لتلك الجهود المحمومة التي تبذلها الدول العظمى لإقامة نظام اقتصادي تتمتع هي وحدها فيه بمركز السيادة. ولذلك فليس مصادفة أن يكون أهم شرط لقبول عضوية أي بلد في منظمة التجارة العالمية هو إجراء المحادثات الثنائية، والتي على أساسها لا يمكن لأي بلد دخول هذا النادي قبل أن يلبي كافة شروط الدول الصناعية التي تسيطر على هذه المنظمة. وفي ظل هذه السيطرة فعلينا ألا نستغرب اهتمام منظمة التجارة العالمية حيناً بعدم فرض الضرائب أو خفضها على أنواع معينة من السلع والخدمات في حين لا تكترث بفرض الضرائب على أنواع أخرى وذلك وفقاً لمصلحتها. فلو أخذنا على سبيل المثال الضرائب التي تفرضها الدول الصناعية على نفطنا الذي تستورده منا لرأينا أن الضرائب المفروضة عليه هي من الارتفاع إلى درجة أن عائداتهم منها تفوق بكثير ما تحصل عليه البلدان المصدرة للذهب الأسود. فحسب إحصاءات الأوبك فإن إجمالي العائدات النفطية للدول الأعضاء فيها خلال الفترة بين 2009 و2013 قد بلغت 2485.4 مليار دولار، في حين أن إجمالي العائدات الناجمة عن فرض الضرائب على استهلاك النفط في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى خلال الفترة نفسها قد وصلت إلى 6732 مليار دولار-أي حوالي ثلاثة أضعاف ما نحصل عليه.
ان المليارات التي أهدرت وتهدر على الحروب من أجل إقامة النظام العالمي الجديد لو تم إنفاقها على مساعدة البلدان النامية لضمنت للبلدان المحاربة الزعامة بثمن أرخص. والنتائج التي تمخضت عنها الحرب العالمية الثانية خير دليل على ذلك. فالولايات المتحدة قد جنت لنفسها من وراء مشروع مارشال أكثر مما حققته لها الإنجازات العسكرية لجنرالها أيزنهاور. بالمثل فإن استثمارات الولايات المتحدة الضخمة في جنوب شرق آسيا قد عادت عليها بالمنفعة أكثر مما أعطاه لها الانشغال بالحرب الباردة التي كادت أن تستزف كل قدراتها.
نقلا عن الرياض
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734