الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
وبعد أن اجتمعت المجموعة توجهنا إلى حيث نجلس بعد أن نسق لنا أحد الأخوة المصريين ورتب لنا مكان جلوسنا، وكان في الممر لنعيش الأجواء بكامل تفاصيلها. وبعد المداولات المعهودة لطلبات كل منا و التي استنزفتنا جهدا ووقتا ! أتى القهوجي وبدأ بأخذ الطلبات من قهوة سادة وقهوة سكر زيادة ، وقهوة مضبوطة ، و قهوة على الريحة.. إلخ ، و هكذا طلب الجميع القهوة وكل واحد بمواصفات مختلفة. والقهوجي يسجل الطلبات في ذاكرته، فليس لديه ورقة وقلم ليسجل الطلبات ! استوقفني المشهد لغرابته إلا أنني كنت واثقًا أن الخبرة لعبت دورًا هنا.
وبعد مضي وقت قصير أتت الطلبات و بدأ يقدمها لنا كلٌ حسب طلبه ! شيء عجيب وغريب ! فأنا متأكد أنه أخذ طلبات أخرى بعد طلبنا !
استوقفتني هذه اللحظات ، كيف فعلها ؟! أي ذاكرة لديه؟! أي قدرات عنده؟! فطلبت منه أن يقترب مني لأسأله سؤالًا يزيل حيرتي ، وعندما اقترب سألته: كيف تمكنتَ من تحقيق رغبة كل الجالسين رغم اختلاف قهوة كل واحد منا؟! ليرد علي قائلًا بلهجته المصرية: “دا سر الشغلة يا بيه” هكذا أجابني ؛ فظننتُ أن لديه ذاكرة حديدية ومنظمة لفعل ذلك مما زاد من دهشتي وزاد من فضولي!! وكنتُ على يقين بأن لديه مهارة تستحق التعلم، فالتقطت مباشرةً مئة جنيه من جيبي وقدمتها له قائلًا: “أخبرني بسرك” ، فاقترب لحظتها إلى أذني وبدا يخبرني بصمت (يوشوش في أذني) بهذه المهارة العجيبة الغريبة !
انقطعت مسامعي عن كل إزعاج في ذلك المكان ، وعن تعليقات الجلوس وضحكاتهم العالية ! وبدأت أركز على ما سيقول: “بص حضرتك” لفتت انتباهي بشكل كبير فأعرته كل اهتمامي لأكسر كل الإزعاجات المحيطة لاستمع بتمعن لهذا الدرس العجيب: “الزبون بيطلب القهوة اللي عايزها ، سكر زيادة.. على الريحة.. سادة.. وكذا كل واحد يختار طلبه.. واحنا عندنا أهوة (قهوة) وحدة” – هكذا وصفها بلهجته المصرية – ونقدمها للجميع ولكن كل عميل يعتقد أن القهوة اللي طلبها على أصولها ! فليس لديه الفرصة لمقارنة مذاق القهوة الأخرى ليعرف حقيقة طلبه ! إذن هذا هو السر !! ضحكت بعدها ضحكات عالية استغربها الحضور ، و زادت دهشتهم وفضولهم. يا له من درس عجيب و ثمين!
أصر جلسائي على معرفة سر القهوجي فرفضت ، و كانوا يغرونه بالمال ولكنه رفض كل العروض والإغراءات. وهنا زاد فضولهم وبدأت العروض تنهال علي أكثر مما قدمته للقهوجي لمعرفة ماذا أخبرني ؟! وفعلا فضول الإنسان يجعله كريما؛ لسبر أغوار هذا الفضول. ولكنني رفضت كل العروض التي كانت ستحقق لي تعويضا مضاعفا أكثر مما قدمته للقهوجي. وظل سره في ذاكرتي إلى يومنا هذا لأقدمه لكم مجانا!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال