الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الاونة الاخيرة، ظهر بقوة في الاوساط الاعلامية والفنية السعودية مفهوم صناعة المحتوى ليكون إحدى مكونات الإعلام. لذلك، نجد ان أكثر ما يتم الالتفات إليه من ناحية قانونية هو الملكية الفكرية وحماية الحقوق. ولا يمكن انكار ان سرقة حقوق الملكية الفكرية هي مصدر قلق كبير للفنانين المبدعين في صناعة الترفيه من مؤلفين ، أو منتجي أفكار البرامج والأفلام ، أو من يطوروا مفاهيم الأفلام والتلفزيون والمسرح ، أو حتى من يعملون على كتابة السيناريوهات…الخ. ولكن ماذا بعد ذلك؟ المبدعون من ابنائنا موجودين، ولكن لماذا نعاني من ضعف المخرجات المنتجين عندنا؟ هناك أسباب كثيرة، منها العمق الثقافي، ولكن هذا الجانب، على الرغم من اهميته، الا انه ليس محل نقاش هذا المقال. ما يهتم به هذا المقال هو النظرة القانونية لأنظمة الإعلام وعلاقتها بعقود المنافسات والمشتريات الحكومية من ناحية و ارتباطها بارتكاب جرائم كبرى من أهمها غسل الأموال.
كما لا يخفى على أحد منا، ليس من السهل اكتشاف الموهوبين ولا المبدعين. في الدول المتطورة اعلاميا، نجد ان مسألة إيجاد هذه الطاقات اسهل بكثير من هنا، وبالتالي التساؤل المطروح هو لماذا هذه المهمة أصعب لدينا؟ عندما نتأمل خطوات إنتاج فيلم أو برنامج على سبيل المثال، نجد ان حجر الاساس يبدأ من اختيار القصة المثيرة والسيناريو العميق، و الممثلين الجيدين والمخرجين ومهندسي التصوير و الصوت…الخ. لكن من هو المسؤول عن ترتيب هذه الأمور؟ بالطبع شركات الإنتاج. كذلك في الحفلات، نفس الأمر، المسؤول هم متعهدي الحفلات وشركات الإنتاج.
عندما نقرأ القوانين ذات العلاقة، نجد أنها عامة جدا، ولا تحتوي على تفاصيل تنظيمية لشركات الإنتاج ولا تصنيف لها عند الجهات الحكومية ذات العلاقة. في نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، نجد أن المشرع نوع في أساليب التعاقد، وقد أحسن صنعا في ذلك لينوع مصادر التعاقد وفقا للاحتياج. لكن نجد ان التركيز على عقود المقاولات و الصيانة و النظافة …الخ، ونظرا لاهمية هذه الأنواع من العقود على البنية التحتية للدولة، وعلى المصلحة العامة، فقد اهتم النظام بالجودة من خلال وضع تصنيف للشركات التي ترغب بالتعاقد مع الحكومة. ولكن ماذا عن عقود المرئي و المسموع مع الحكومة؟ ماهو معيار تصنيف الشركات التي تتنافس على العقود؟ ماذا عن جودتها؟ عن توجهها الفكري؟ من هم القائمين على إدارتها؟ وهل هم فعلا من يقومون بالعمل والإنتاج، أما التي تقوم بها شركات انتاج خارجية تتواطئ مع الشركات المحلية بالسر لانجاز العمل. وفي المقابل، تأخذ الشركة المحلية عمولة على الفوز بالمشروع، في حين ان الشركة الاجنبية هي من تحظى بنصيب الأسد من قيمة المشروع.
من هنا تبدأ الجريمة الاقتصادية، عدم وجود تصنيف معتمد و مدروس لشركات الاعلام و الانتاج، فهذا يعني ظهور شكل أكثر تعقيدا للتستر التجاري. وهذا يعني أيضا، ايجاد سوق خصبة لغسل الاموال من خلال شركات الانتاج الهزيلة. و كل هذا الأمر ينعكس على الاقتصاد الوطني، فعندما بدأت القيادة الرشيدة تحارب الجرائم الاقتصادية و الادارية، كان من ضمن اهدافها هو منع الهدر المالي واساءة استخدام المال العام، والمحافظة على الأموال الوطنية داخل الدولة والحد من تصديرها للخارج مما يضعف الاقتصاد. في حين ان الفراغ القانوني من حيث معايير ترسية المشاريع الاعلامية و الفنية على شركات الإنتاج والإعلام، يُحجم من مبدأ المنافسة ويسمح للجريمة العابرة للحدود بالتكون.
الاعلام و الفن و الترفيه يعتبر من الاسلحة الناعمة التي تستخدمها الدول للتأثير إيجابا أو سلبا على الفئة المستهدفة. وبالتالي، الاعلام والفن الهزيل ليس نتاج الضحالة الثقافية للكتاب فقط، وانما هي مجموعة أدوات متداخلة تسبب هذه الهزالة، من ضمنها الفراغ القانوني الذي يركز على تصنيف من يفترض أن يتعاقد مع الجهات الحكومية ذات العلاقة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال