في ضوء انخفاض أسعار البترول زاد الاهتمام في المملكة بمشاريع تنويع مصادر الدخل، وتتسابق المملكة مع الكثير من دول العالم لتحقيق تقدم ملحوظ في مجال تنويع مصادر الطاقة، ولذلك أسست المملكة مدينة الملك عبد الله للطاقة والموارد البديلة، وقامت هذه المدينة بالتوقيع على العديد من المشاريع مع شركات عالمية يابانية وكورية بغية تحقيق تقدم ملحوظ في مجال الطاقة البديلة.
ويتجه العالم بقوة في هذه الأيام نحو البحث عن طاقات بديلة، والطاقات البديلة هي بالطبع طاقات بديلة عن الموارد الأحفورية، وبالنسبة للمملكة العربية السعودية فإن الطاقات البديلة هي بديلة عن البترول، بمعنى أن العالم يحاول تقليص اعتماده على البترول وبشكل كبير.
وإذا رجعنا إلى الأسباب الكامنة وراء هذا الموقف العالمي من البترول، نجد أن العالم يريد أن يتفادى البترول لسببين: السبب الأول أن البترول مادة ناضبة، وأنه في المستقبل القريب أو البعيد سيغيب عن الأسواق رضينا أم أبينا، وإذا شح البترول من الأسواق، فإن الحضارة الحديثة ستصاب بالإعاقة وربما الإعاقة الكاملة، وهذا بالطبع لن يرضي أي مخلوق عاقل يعيش فوق هذا الكوكب.
أما السبب الثاني فهو أن البترول يفرز انبعاثات مضرة بالبيئة، وليس البترول فقط الذي يلحق أضرارا بالبيئة، بل إن الفحم الحجري يتهدد البيئة أيضا، فالصين على سبيل المثال تستخدم الفحم الحجري لإنتاج 70 في المائة من حاجتها من الكهرباء، وطبعا يترتب على هذا الاستهلاك الواسع انبعاث كميات ضخمة من غاز ثاني أكسيد الكربون المضر بالمناخ والمسبب للاحتباس الحراري، وبحسب تقرير رسمي صدر عن الحكومة الهندية فإن حاجة الهند من الكهرباء تتزايد، وستبلغ خمسة أضعاف المعدل الحالي في السنوات القليلة القادمة، وكما هو الحال في الصين فإن الفحم يعتبر المصدر الرئيس للطاقة في الهند إذ يوجد في الهند أكبر احتياطي للفحم في العالم.
وعلى الرغم من انخفاض أهمية الفحم في جميع بلدان العالم الأخرى إلا أن استهلاك الفحم في الصين والهند يتزايد بشكل ملحوظ.
دعونا نؤكد حقيقة لا غبار عليها، وهي أن محاولات خفض استخدام الطاقة هي محاولات يائسة وبائسة، والدول سواء كانت دولا متقدمة أم دولا نامية، فإنها تتجه إلى استخدام واسع للكهرباء، ولن تكون هناك حضارة إذا لم تستخدم المدن مزيدا من الكهرباء لتحقيق التنمية والنمو، وإذا سلمنا بهذه الحقيقة، فإن الطلب العالمي على الطاقة في تزايد ولا يمكن إيقافه أو حتى التخفيف منه.
وعلى صعيد أوروبا فإن كل الدول الأوروبية وكل المنظمات المعنية بالبترول تعمل على التخلص من البترول قدر الإمكان للسببين الآنفي الذكر، وهما أن البترول مادة ناضبة، وهو أيضا مادة تضر بالبيئة ضررا فادحا.
ويفيد المشهد الدولي حاليا أن الأزمات السياسية التي تجتاح العالم كأزمة المفاعل النووي الإيراني أدت إلى حشر البترول في القرارات السياسية ما حدا بالغرب إلى اتخاذ قرارات بوقف شراء البترول الإيراني عقابا لإيران على إصرارها على الاستمرار في مشروعها النووي. وطبعا هذه المقاطعة أدت إلى تورط الاقتصاد العالمي في زيادة متوقعة لأسعار البترول، وهذه الزيادة كما نعرف جميعا ستدفع أسعار الكثير من السلع والخدمات في الأسواق العالمية إلى الزيادة.
ولذلك فإن الارتفاع المتزايد لأسعار البترول سينعكس على مستوى النمو الاقتصادي العالمي ما قد يقود إلى أزمة اقتصادية على المستوى العالمي، الأمر الذي سيشكل تهديدا جديا لكل من الحكومات والمنظمات الدولية.
وإزاء هذا الحشد من مشاكل الطاقة، أصدر الملك عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله – أمرا بتأسيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة.
والواقع أن مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة لم تأت إلا بعد دراسات مستفيضة قامت بها عدة جهات حكومية. ففي آب (أغسطس) 2009 رفع مجلس الشورى إلى المقام السامي اقتراحا بإنشاء هيئة سعودية للطاقة الذرية، وبناء على هذا الاقتراح شكلت لجنة وزارية برئاسة الأمير سعود الفيصل – رحمه الله – وعضوية وزير المياه والكهرباء ووزير الصحة لوضع تصور شامل عن الاحتياجات الوطنية من المياه والكهرباء في الحال والمستقبل، ومن ناحيتها فقد رفعت وزارة البترول والثروة المعدنية دراسة جاء فيها أن المملكة تشهد نموا بمعدلات عالية للطلب على الكهرباء والمياه، وزيادة ملحوظة في الطلب على الموارد الهيدروكربونية الناضبة التي تستخدم جزءا كبيرا منها في توليد الكهرباء والمياه، ولذلك فإنه من الضروري توفير الموارد الهيدروكربونية واستخدام مصادر بديلة رخيصة الثمن ولا تلحق أضرارا بالبيئة، ونقصد هنا استخدام الطاقة الذرية في إنتاج الكهرباء والمياه، وفي ذلك تتحقق الميزتان الأولى ضمان توفير المياه والكهرباء بصورة دائمة، والأخرى توفير جزء كبير من الموارد الهيدروكربونية الموسومة بالنضوب.
يجب أن نعترف بأننا أمام تحديات كثيرة تستهدف البترول التقليدي، وعلينا أن نسعى ما وسعنا الجهد إلى تحقيق تقدم ملحوظ في مجال تنويع مصادر الطاقة من أجل تنويع مصادر الدخل حتى لا نكون ضحية مورد واحد وهو البترول التقليدي.
نقلا عن الاقتصادية