3666 144 055
[email protected]
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
يتردد كثيرا الكلام عن القيادة وخصوصا في بيئة العمل بكونها صفة جيدة يجب أن يتمتع بها المدير فيوصف مثلا المدير الجيد بالقائد ويعتبر غير الجيد لا يحمل الصفات القيادية. أعتقد أن جاذبية الموضوع وكثر الكلام فيه سواء في المحاضرات الأكاديمية أو في الدورات التدريبية حجب المعنى الفعلي لمفهوم القيادة الحقيقية.
الجاذبية التي اتحدث عنها هي بسبب ان التعريف يقدم دائما بشكل يبدو وكأنه كان خافيا على المتلقي فيبدأ باستخدامه بطرق بعيدة عن معناه الأصلي. فمثلا نسمع من موظف لا يعجبه مديره فيعطي توصيفا لذلك المدير بأنه ليس قياديا لأنه لا يتقرب من الموظفين أو لأنه ليس محبوبا أو كونه يتردد في اتخاذ القرار مع أن كل ذلك لا علاقة له بالمعنى الحقيقي للقيادة.
من تعريفات القيادة لغويا هو القدرة على التأثير في السلوك البشري لتوجيه جماعة معينة نحو هدف مشترك. نوع التأثير قد يكون مباشرا أو غير مباشر. بالمقابل الادارة تعني أن يكون الشخص مسؤولا عن أمر ما ومحاسبا على تحقيق الأهداف. لذلك فإنني أرى الادارة تكليفا والقيادة موهبة. لا يعني ذلك أنه لا يمكن الجمع بينهما لكن ليس بالضرورة أن يكون المدير قائدا ولا أن يكون القائد مديرا. كما لا يعني أن المدير الذي لا يتمتع بالصفات القيادية سيكون فاشلا وأيضا ليس بالضرورة أن شخصا يتمتع بموهبة القيادة سينجح في الادارة. لعدم تعقيد الموضوع سأحاول شرح الفرق باستخدام الأمثلة قدر الإمكان.
أقول أولا أن الادارة هي مهارات تكتسب بالتعليم والخبرة ويعتمد النجاح فيها على قدرة المدير ومرونته في اتخاذ القرارات عند الحاجة. لا بد أن يحصل الإنسان على اطلاع كاف على مواقف مختلفة وتجارب كثيرة ليتمكن بعدها من ممارسة الادارة بشكل ناجح.
أولا لتبسيط الصورة مثال من كرة القدم. في أي فريق المدير هو المدرب فهو من تم تكليفه بالمسؤولية التي تشمل اختيار اللاعبين ووضع خطط التدريب وكل ما يتعلق بذلك. يحصل المدرب على المعرفة اللازمة للإدارة من خلال الخبرة والتعليم. في مباراة ما، يختار المدرب أفضل تشكيلة من اللاعبين بعد أن دربهم باستخدام أفضل الطرق، لكن الفريق يتلقى هدفا مبكرا فيصاب اللاعبون بالاحباط ويؤثر ذلك على أدائهم. أقصى ما يمكن أن يفعله المدرب هو أن يبدل بعض اللاعبين ويصرخ فيهم ليحسنوا الأداء.
لكن أحد اللاعبين يأخذ المبادرة ويقوم ببعض الحركات والمراوغات فيشعر اللاعبون بالثقة وترتفع معنوياتهم ويتحسن الأداء ويكسبون المباراة. ما قام به اللاعب هو فعل قيادي لم يكلفه به أحد إلا أنه تمكن من خلاله أن يؤثر في سلوك باقي اللاعبين لتحقيق الهدف. جرأة ذلك اللاعب فطرية وليست بالتعليم. هل بالضرورة أن يكون ذاك اللاعب مدربا فيما بعد؟ لا.
مثال اخر من المجتمع. في المنزل الرجل هو رب الأسرة أي أنه هو المكلف بمسؤولية اتخاذ القرارات وتوفير الموارد. في أحيان كثيرة يكون لدى الزوجة مواهب قيادية فطرية فتلعب دورا مؤثرا في سلوك زوجها وأولادها عن طريق التحفيز والاحتواء وإعطاء المثل فتتحقق أهداف كثيرة. هذا لا يعني أن الزوج بالضرورة لا يكون قياديا كما أنه لا يعني أن المرأة اذا استلمت الادارة ستنجح. كلا الاحتمالين وارد لأن القيادة مختلفة عن الإدارة.
في العمل، تجد موظفا عاديا ليس له اي مسؤوليات إدارية إلا أن أفعاله تؤثر في سلوك من حوله. تلك الأفعال قد تكون من نوع الطموح أو المثابرة أو أخذ المبادرة في الأوقات المناسبة أو غير ذلك مما يخلق حافزا عند زملائه بل وحتى عند رؤسائه. السبب أن لديه مواهب قيادية بالفطرة.
من أهم الصفات القيادية وجود الكاريزما لدى الشخص وهي جاذبية معينة لا يمكن اكتسابها أبدا. توجد الكاريزما عند الانسان منذ ولادته وتظهر غالبا في وقت معين ولا تختفي بعد ذلك. ممكن أن يكون صاحب الكاريزما محبوبا أو مكروها، لكنه دائما محط أنظار من حوله.
المدير صاحب الموهبة القيادية في رأيي نادر ولكنه شخصية تكون عادة متميزة جدا بل وفي كثير من الأحيان خطيرة. اذا كان المدير قياديا بالفطرة فإنه بلا شك حاد الذكاء ويمكنه عندها توجيه أعداد كبيرة لأهداف يختارها هو. هناك أمثلة كثيرة من هذا النوع في التاريخ السياسي خصوصا ممن جلبوا الويلات لأعداد كبيرة من البشر لأنهم استغلوا كل مواهبهم وسلطاتهم بشكل خاطيء. وأيضا هناك أمثلة كثيرة من النوع الذي حقق نجاحات مذهلة له ولغيره لأنه استغل قدرته في التأثير على غيره أفضل استغلال.
من الذي يحدد اذا كان الشخص يملك موهبة القيادة؟ الشخص نفسه بالتأكيد يعرف نفسه، لكن المحيطين والمتأثرين به هم أكثر من يعرفون ذلك اذا دققوا قليلا في تصرفاته. لذلك فإن نصيحتي لكل من يهتم بموضوع القيادة أن لا يحاول أن يصبح قياديا. إذا لم يكن يعرف أنه قيادي بالفطرة، فإنه لن يتمكن من الوصول لهدفه.
الخطيب
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734