الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
دعا أحد الخبراء إلى إنشاء شركة وطنية مستقلة عن شركة أرامكو السعودية، تختص بالاستفادة من الغاز المصاحب، الذي يتم هدره وإحراقه عند إنتاج النفط، وذلك في ظل تنامي الاستهلاك الكبير للطاقة محلياً.
ووفقا لصحيفة “الجزيرة”أوضح رئيس مركز السياسات النفطية والتوقعات الاستراتيجية الدكتور راشد أبانمي أن حرق بلايين من الأقدام المكعبة من الغاز يتسبب في تكبيد الاقتصاد الوطني خسائر فادحة، في ظل اعتماد المملكة شبه الكامل على الإيرادات النفطية التي تشكِّل أكثر من 92 في المئة من مجموع الإيرادات؛ إذ يتم إنتاج أكثر من تسعة ملايين برميل يومياً، وينتج مع ذلك غاز مصاحب لكل برميل واحد من النفط الخام، ينتج معه 600 قدم مكعب من الغاز المصاحب تقريباً، مع فارق ضئيل بين دولة وأخرى؛ لذا من الضروري السعي بشكل جدي إلى جمع هذا الغاز ومعالجته، والإسراع في التحول إلى اقتصاد قائم على الغاز الطبيعي، يكون رديفاً للنفط الذي تعتمد عليه المملكة في الوقت الحاضر.
وقال الدكتور أبانمي: «لإيضاح هذه المسألة المهمة جداً، فإن احتياطيات المملكة من الغاز كبيرة جداً، وتُعتبر رابع دولة في العالم، وإنتاج المملكة من الغاز يكفي لمدة طويلة، ويكفي الاستهلاك المحلي في حال استُغل الاستغلال الأمثل. فحجم الاحتياطيات لدينا في المملكة يُقدر بنحو 288 تريليون قدم مكعب؛ وهو ما يجعلها تحتل المرتبة الرابعة عالميا في الاحتياطي. وللإيضاح أكثر، فإن الغاز يأتي على شكلَين: نوع مصاحب، وهو الذي يُنتج مع النفط الخام المستخرج. والنوع الثاني هو غير مصاحب، أي أنه يُنتج وحده. ونحو الثلثين من غاز المملكة (وبالتحديد 65 % منه) يقع ضمن ما يعرف بالغاز المصاحِب. أما الغاز غير المصاحب فإن المملكة تنتج منه وعلى أحسن تقدير 35 % من حقل (كاران) الذي يعتبر من أوائل حقول الغاز غير المصاحب المكتشف في العام 2006، وربما إذا تم تطويره فسيكون إنتاجه في أحسن تقدير ملياراً ونصف المليار قدم مكعب. كما أنه يوجد حقل (العربية)، ومن المخطط له أن يكون إنتاجه نحو المليار قدم مكعب في العقد القادم.
كما أنه يوجد حقل (الحسبة) الذي من الممكن تطويره لإنتاج مليار قدم مكعب. ولكن معظم الغاز المصاحب في المملكة لم يتم الاستفادة منه على الوجه الأمثل، بل إن الكثير منه يُحرق حال فصله من الزيت الخام. ونظراً لأن معدل إنتاج المملكة من النفط الخام خلال عام 2013 بلغ نحو تسعة ملايين ونصف المليون برميل يومياً، كما جاء في البيانات الرسمية، وبما أن برميلاً واحداً من النفط الخام ينتج معه تلقائياً 600 قدم مكعب من الغاز المصاحب كمعدل، فإن هذه الأرقام تعطينا حجم الغاز المصاحب المنتج، وهي نسبة كبيرة جداً (9,5 مليون مضروبة في 600 قدم)، أي ما يساوي أكثر من نصف مليار قدم مكعب من الغاز، معظمه يتم التخلص منه عن طريق حرقه يومياً. ونظراً إلى أن بيع الغاز لشركات البتروكيماويات بتقدير ألف قدم بـ75 سنتاً، وعالمياً تُباع الكمية نفسها بـ3.75 دولار، فإن ذلك ساهم في زيادة الاستهلاك، وربما الهدر للغاز محلياً هذا من جانب.
ومن جانب آخر، فإن ذلك السعر المنخفض محلياً له نتائج عكسية أخرى؛ كونه يجعل كلفة معالجة وتطوير وجمع الغاز المصاحب أعلى من سعر بيعه المنخفض محلياً بسبب الدعم، خاصة أن بعض كميات الغاز المصاحب في المملكة هي من نوع (الغاز المرّ)، أي بشوائب كيماوية، تتطلب استثمارات أكبر لمعالجته، وكلفة تطويره أعلى من سعر بيعه محلياً؛ ماجعل مستوى العائد والجدوى الاقتصادية بسبب فرض بيعه بسعر منخفض للبيع؛ ما يجعل أرامكو تقوم بعملية ما يعرف بـ Flaring (أي إحراق الغاز)؛ كونه أقل خسارة من معالجته ثم بيعه محلياً بالسعر المدعوم. وربما تكون هذه العملية مقبولة عندما ينتج الغاز المصاحب لإنتاج النفط في مناطق العالم التي لا يوجد لديها سوق قريبة للاستفادة من الغاز، أو التي تفتقر إلى البنية الأساسية اللازمة لجمع ومعالجة الغاز، ولا يجد القائمون على إنتاج النفط وسيلة للاستفادة منه إلا بالتخلص من هذا الغاز، وبإطلاق جزء كبير منه إلى الغلاف الجوي، ويسمى (منفس) أو غير مشتعل. والجزء الآخر يتم إشعاله، ويوصف بـ(محروق). أما نحن فلا يوجد أي مبرر لهدر مقدراتنا وثرواتنا وثروات أجيالنا القادمة؛ ويحب علينا وبأسرع وقت أن نحد من هدر الغاز وحرقه، وذلك بالاستثمار والتوسع في نظام التجميع والمعالجة. فإحراق الغاز ليس قضية بيئية تهم العالم فقط، بل اقتصادية وسياسية أيضاً، تهم المجتمع وثروات ومقدرات البلاد».
وبيَّن الدكتور أبانمي أنه وفقاً لإحصائيات البنك الدولي في تقريره الصادر في يونيو من عام 2012م، فإن المملكة من أكبر دول العالم إحراقاً للغاز، بل إنها من ضمن العشرة الأوائل بين دول العالم من حيث إحراق الغاز؛ إذ بلغ إحراقها للغاز عام 2011م نحو أربعة مليارات متر مكعب bcm؛ ما يعتبر هدراً كبيراً، حذر منه البنك الدولي في تقريره عن الدول المنتجة للنفط، المعني بالحد من هدر الغاز عند حرقه؛ إذ دعت الشراكة العالمية لتخفيض إحراق الغاز التابعة للبنك الدولي (GGFR) البلدان والشركات المنتجة للبترول في منطقة الشرق الأوسط إلى الانضمام إلى الجهود العالمية الرامية إلى الحد من حرق الغاز الطبيعي أو إحراقه، وزيادة كفاءة استخدام الطاقة، ليس فقط من مردوده الاقتصادي، بل إنه – ومن وجهة النظر الدولية – خطرٌ جسيم على البيئية؛ إذ دعت إلى التخفيف من حدة آثاره على تغيُّر المناخ.
ولفت إلى أنه وفقاً للتقرير ذاته فإن اشتعال أو حرق الغاز في الدول الرئيسة المصدرة للنفط يساهم كثيراً في التغيُّر المناخي، وأنه في حين تم تخفيض أكثر من 30 في المئة من احتراق الغاز منذ عام 2005 فإن قيمة ما يتم هدره اليوم لا يزال يصل إلى مئات المليارات دولار سنوياً؛ إذ تفيد تقديرات الشراكة العالمية لتخفيض إحراق الغاز (وهي عبارة عن شراكة بين القطاعين العام والخاص، تضم حكوماتٍ وشركات مملوكة للدولة وشركات البترول الدولية الرئيسة الملتزمة بتخفيض إحراق الغاز وتنفيسه في الهواء على مستوى العالم) بأنه يتم إحراق أو هدر ما لا يقل عن 150 مليار متر مكعب من الغاز في كل سنة على مستوى العالم؛ ما يضيف 400 مليون طن سنوياً من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وينتج نحو 400 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ويعادل ذلك تقريباً جميع تخفيضات الانبعاثات السنوية المحتملة من المشاريع التي يتم تنفيذها حالياً في إطار آليات بروتوكول كيوتو.
وذكر أبانمي أنه في المملكة تتراوح كمية حرق الغاز المصاحب بإنتاج النفط بين أربعة مليارات متر مكعب bcm إلى خمسة مليارات متر مكعب، وفقاً لارتفاع إنتاج المملكة من النفط؛ إذ إنه في الفترات التي يزداد فيها إنتاج النفط كما حدث خلال الأعوام الثلاثة الماضية فإن الغاز المصاحِب يزداد؛ كونه مصاحباً لإنتاج النفط. مؤكداً ضرورة العمل على وقف هذا الهدر لهذه النعمة الزائلة، التي متى ما استُغلت سيأتي – إضافة للعائد المالي الكبير للمملكة، الذي في حكم المعدوم حالياً – بالحدِّ من استهلاك النفط الخام الذي تتجاوز أسعاره أضعاف أسعار الغاز، الذي تستخدمه شركات الكهرباء والمياه وقوداً لتوليد الطاقة؛ إذ يتم حرق النفط الخام لتوليد الكهرباء؛ ما يعني هدر القيمة المضافة للنفط في حالة تكريره والاستفادة من مشتقاته. فلا بد من الإسراع في العمل على جمع الغاز المصاحب، الذي يتم حرق معظمه حالياً، والقيام بمعالجته واستخدامه لسد الحاجة المحلية لتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه نظراً لحاجتنا إلى الغاز كافة المنتج حالياً، وفي السنوات القليلة القادمة لسد احتياجاتنا المحلية، فما زلنا – ومنذ اليوم الأول لإنتاج النفط إلى هذا اليوم – نهدر هذه الثروة الغالية، ونحرق الكثير من الغاز المصاحب، ونلوث هواءنا. كما أننا نضحي يوماً بعد يوم بقدرتنا التصديرية للبترول مستقبلاً، التي تتضاءل نظير استخدامنا للبترول الخام الاستخدام غير الأمثل، وبأعلى معدل لاستهلاك الطاقة للفرد عالمياً؛ ما ينعكس سلباً على عائداتنا المالية من الصادرات، نظراً لأن مزيداً من إنتاج النفط الخام سيذهب إلى تلبية الاستهلاك المحلي؛ فلا بد من إعادة النظر في هذا الموضوع المهم جداً، وإيقاف إهدار ثروة عظيمة من الغاز الطبيعي، باعتبارها رافداً مهماً من روافد الاقتصاد الوطني، وكذلك تعرضها للهدر حرقاً في الوقت الحاضر، والعمل من أجل استغلال الغاز والاستفادة القصوى من الغاز المهدور، وذلك بجمعه ومعالجته، ولاسيما أن النفط الخام حالياً يستخدم وقوداً لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، وهذا مكلف جداً بالمقارنة باستخدام الغاز الذي هو في الحقيقة مهدور.
وقال: «عندما ننظر إلى الشركات البتروكيماوية نجد أنها تحصل على الغاز بخمسة وسبعين سنتاً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وتستخدمه في نوع معين من الصناعات البسيطة لإنتاج المواد الأساسية البتروكيماوية، لكنها تبيع منتجاتها الأساسية على الشركات المحلية بالأسعار العالمية. فهنالك ضرورة لتقويم تلك الشركات وإلزامها بدفع السعر العالمي لقيم الغاز لتحقيق الاستخدام الأمثل، وتجنباً لزيادة الاستهلاك والهدر.
كما أن من هذه الشركات ما تعتزم حالياً الاستثمار في الغاز الصخري في أمريكا؛ ما يدعونا للتساؤل: أليس من باب أولى أن تستثمر في معالجة غازنا المصاحب الذي يُحرق ويلوث بيئتنا، ويستنزف اقتصادنا؟».
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال