الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يشارك معظم دول العالم في نقاشات الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر التغير المناخي المنعقدة في باريس هذه الأيام. ويساور كثير من مختصي المناخ في دول العالم القلق حول التغيرات المناخية التي ستحدث للأرض إذا استمر العالم في تسريع حرق الوقود الأحفوري الباعث للغازات الدفيئة.
وتشير تقارير المؤتمر إلى زيادة احترار النظام المناخي، حيث ارتفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض في عام 2012م بنحو 0.85 درجة مئوية مقارنة بمتوسط عام 1880م، كما لوحظ تركز معظم احترار الأجواء في فترة الخمسين عاما الماضية. وتزامنت هذه الزيادة مع ارتفاع تركزات الغازات الدفيئة، خصوصا ثاني أكسيد الكربون. وارتفعت تركزات هذه الغازات بسبب تسارع استخدامات الوقود الأحفوري، كما جاءت نتيجة لحرق مساحات شاسعة من الغابات في شتى أرجاء العالم. وتراجعت مساحات الغابات في القرنين الماضيين في أمريكا الشمالية وأوروبا بسبب توسع المساحات الزراعية والحضرية والاستخدامات الجائرة للأخشاب، كما شهدت العقود الأخيرة تراجع مساحات الغابات والأشجار المعمرة الضخمة التي كانت تحويها أدغال إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية. وتقدر كميات ثاني أكسيد الكربون المنبعثة في الغلاف الجوي للأرض بسبب الإنسان بأنها قد تضاعفت خلال العقود الأربعة الماضية إلى أكثر من ترليوني طن.
تسبب ارتفاع درجات الحرارة في ذوبان كميات ضخمة من الثلوج، حيث تراجعت المساحات الثلجية بشكل ملحوظ في القطبين الشمالي والجنوبي. ونتيجة لذلك ارتفع منسوب البحار كما ازدادت حرارة مياهها وحموضتها، ما يهدد بقاء أنواع كثيرة من الحياة الفطرية ويسرع بفناء أنواع أخرى من الحياة النباتية والحيوانية. وتمتص المحيطات معظم الطاقة المضافة إلى النظام المناخي الناتج عن ارتفاع الحرارة، بينما يختزن قدر ضئيل لا يتجاوز 1 في المائة في الغلاف الجوي. من ناحية أخرى ازداد هطول الأمطار شمال وجنوب المناطق المدارية وتراجعت في المناطق المدارية، الأمر الذي يزيد من موجات الجفاف في مساحات واسعة وفي الوقت نفسه يرفع من الفيضانات في مناطق أخرى. ومن المرجح استمرار ازدياد التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية خلال العقود المقبلة ما لم تتفق وتفعل دول العالم سياسات الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.
عموما ستقود تغيرات المناخ إلى زيادة كبيرة في المخاطر المناخية على الحياة البشرية والحيوانية والنباتية، كما ستولد مخاطر جديدة على أنواع الحياة وعلى النظام الصحي للبشر بما في ذلك زيادة انتشار بعض الأمراض المعدية مثل الملاريا وحمى الضنك. وسيتسبب التغير المناخي في تردي الأوضاع الصحية وزيادة تكلفة الصحة العامة، وستتفاقم أكثر في الدول النامية قليلة الدخل. وإضافة إلى ذلك سيقود ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة في كثير من الأماكن إلى آثار سلبية في بعض الأنشطة البشرية كزراعة المحاصيل والعمل في الأماكن المكشوفة. كما سترتفع حالات الإجهاد الحراري وضربات الشمس، ومعدلات حدوث العواصف، والفيضانات، والجفاف، والانهيارات الأرضية، وتلوث الهواء، وتزداد ندرة المياه.
ويستشرف أن تزداد الخسائر الاقتصادية الناجمة عن التغير المناخي مع زيادة احترار الأرض، ولهذا يطالب أنصار البيئة وبعض وفود دول العالم الأكثر تضررا بتبني مؤتمر باريس للتغير المناخي لتعهدات قوية وملزمة تخفض انبعاثات الغازات الدفيئة في الأمد المتوسط. ويحاول هؤلاء الحد من الانبعاثات إلى مستويات لا تسمح بتجاوز درجات الحرارة درجتين مئويتين، بل بدأت ترتفع أصوات باتخاذ إجراءات قوية لمنع ارتفاع درجات حرارة الأرض فوق درجة ونصف درجة مئوية. ويصعب وضع تقديرات محددة للخسائر التي ستنجم عن التغير المناخي، ولكنها ستختلف من دولة إلى دولة. فهناك دول يمكن أن تختفي مثل بعض الدول المكونة من جزر قليلة الارتفاع، بينما قد يجني عدد قليل من الدول بعض المكاسب من زيادة درجات الحرارة كروسيا ولكنها ستخسر نتيجة للتراجع المتوقع لاستهلاك الوقود الأحفوري.
وتميل التقديرات إلى أن التغير المناخي سيخفض معدلات النمو الاقتصادي ما سيصعب من محاربة الفقر، ويخفض مستويات الأمن الغذائي. وستزداد الهزات الاقتصادية وتزداد الهجرات بسبب التغير المناخي وهو ما سيرفع من النزاعات داخل الدول وفيما بينها. ومن أكبر المعضلات المترتبة على زيادة تركزات الغازات الدفيئة صعوبة عكس آثارها السلبية، ولهذا ينادي المختصون بضرورة تضامن البشرية لوقف الزيادة في هذه التركزات قبل وصولها إلى مستويات حرجة، ثم تكثيف الجهود لخفضها على الأمد الطويل.
ويتخوف المختصون من تسبب التغيرات المناخية في إحداث تكاليف اقتصادية عالمية باهظة. فإذا تم الاستمرار في تفعيل سياسات حرق الوقود الأحفوري الراهنة فإن هذا سيحدث تكاليف لا سابق لها للتكيف مع ارتفاع درجات الحرارة، وقد تتفاقم الخسائر حتى تهدد الحياة البشرية في أماكن كثيرة على سطح هذا الكوكب. أما إذا وفقت البشرية في تبني الإجراءات بخفض المخاطر، فإن هذا يستدعي بذل مبالغ طائلة لخفض استخدامات الوقود العضوي وتطوير التقنيات البديلة وبناء البنية الأساسية لاستخداماتها. وتشير تقديرات المختصين إلى أن ارتفاع درجة حرارة الأرض بدرجة ونصف درجة فوق مستواها قبل الثورة الصناعية بات أمرا محسوما، كما أن الحد من ارتفاعها بدرجتين مئويتين يتطلب العمل سريعا على خفض استهلاك الوقود الأحفوري وهو ما سيعارضه كثير من دول العالم التي تريد المحافظة على معدلات نموها الاقتصادي. ولهذا يبدو أن تحقيق اتفاق ملزم لدول العالم بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة في مؤتمر باريس أمر صعب المنال.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال