الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مستشار قانوني
الأجندة مصطلح لاتيني الجذور «Agenda» تَسَللَّ دخيلاً على اللغة العربية، ودَرَج استعماله كمرادفٍ لـــــ «جدولِ أعمالِ» المسائلِ المراد مناقشتها في اجتماعٍ لتقرير ما يجب أن يُعمل. مؤخراً أصدر معالي وزير العدل الشيخ د. وليد بن محمد الصمعاني قراراً بتعيين خمسة أعضاء لمجلس إدارة الهيئة السعودية للمحامين في دورته الأولى يمثلون صوتَ المهنيين الذين يُشكلون أعضاء الجمعية العمومية التي ستباشر انتخاب ممثليهم في الدورة الثانية.
وَافَقَ مجلس الوزراء على تنظيم الهيئة السعودية للمحامين، الذي يُعد سارياً بتاريخ 4 ذو القعدة 1436هـ يوليو 2015م، وذلك بعد مضي 60 يوماً على نشره في الجريدة الرسمية. وتسمية ممثلي الجمعية العمومية تمهيدٌ لتسمية بقية أعضاء المجلس الذي يترأسه معالي وزير العدل، وبتمثيلٍ من: وزارة العدل، وديوان المظالم، ووزارة الداخلية، ووزارة التجارة والصناعة، وممثِلِينِ لهيئة تدريس سعودية في كليات ذات صلة، وبذلك يكتمل نصاب المجلس الذي يتعين بموجب تنظيم الهيئة أن ينعقد مرةً كل 90 يوماً.
وتتصدر أجندة أعمال اجتماع الهيئة موضوعاتٌ جوهرية تتعلق: بالبناء الداخلي للهيئة، وتعزيز الحوكمة المؤسسية، والبناء التنظيمي للمهنة، وتطوير مستقبل المهنة. ويقتصر دور المجلس على الاقتراح على الجمعية العمومية التي لها سلطة بالموافقة على القرارات الجوهرية الواردة في التنظيم. ومن طالع الفأل أن يكون الأعضاء يحملون مزيجاً مميزاً من الخبرات التي تعطي رؤية 360° درجة عن تحديات المهنة، وتطلعات منسوبيها وأصحاب المصالح. مما يجعلُ أعمالَ الدورة الأولى هي أعمال تأسيس المهنة في السعودية، وأول من يضع لبنات أهداف تنظيم الهيئة، وفقاً للآتي:
«البناء الداخلي للهيئة»، وذلك بإصدار عدد من القرارات كتعيين الأمين العام ومساعديه، والجهاز التنفيذي للأمانة العامة، وتقرير مدى الحاجة لإنشاء فروع للهيئة تخدم أهدافها خارج الرياض، وتعيين مراجع حسابات خارجي، ولوائح تنظيم الهيئة الإدارية والمالية، وجدول الصلاحيات، وسياسة استثمارات أموال الهيئة، وضوابط تمثيل الهيئة أمام الغير والجهات القضائية، حيث إنِّ وزارة العدل لا تزال تمارس الرقابة على مزاولة مهنة المحاماة، وأكدت المادة 14 من التنظيم أنَّ وزير العدل يمثل الهيئة في صلاتها بغيرها وأمام القضاء؛ مما يعني سريان نفس آليات رقابة القضاء الإداري على قرارات الهيئة وأعمالها.
«تعزيز الحوكمة المؤسسية» من خلال سَنِّ السياسات والإجراءات التي تضمن استكمال نظام حوكمةٍ شموليٍّ يستهدف رفع مستوى الشفافية، وضبط مجموعة العلاقات بين مجلس إدارة الهيئة وجمعيتها العمومية وجميع الأطراف ذات العلاقة. فالحوكمةُ الأسلوب الذي يُقدَّم الهيكل الذي من خلاله تُحددُّ أهداف تنظيم الهيئة ومراقبة أدائها والتوجيه بالأسلوب الناجح لممارسة وإدارة السلطة. ومن ذلك وضع ضوابط ومعايير العضوية، وتنظيم الانتخابات ولوائح عملها المنظمة، وطرق التعامل مع الأصوات الصامتة، وتكوين اللجان التابعة للمجلس اللازمة لمساعدته، ووضع لوائح السلوك المهني للمحامين، ونظام الشكاوى ضد المحامين وآلية تسويتها، ووضع الميزانيات السنوية وخطة العمل المتزامنة معها، ووضع لوائح الجمعية العمومية، ولوائح عمل مجلس الإدارة ولجانه، وضوابط المسؤولية الاجتماعية للمحامين كتقديم ساعات للعون الحقوقي للمستحقين.
«البناء التنظيمي للمهنة» وذلك بمراجعة شاملة لنظام المحاماة ولائحته التنفيذية؛ لإيجاد التجانس بينه وبين تنظيم الهيئة؛ مما يستدعي إعادة رسم خارطة الإشراف ورعاية المهنة، وتوزيع الصلاحيات بين الوزارة والهيئة، وتوحيد جهة التنظيم والرقابة، وتحديد أسس ومعايير مزاولة المهنة، ومراجعة تلك المعايير وتطويرها وفقاً للأصول الشرعية والأنظمة المرعية، ورعاية مصالح الأعضاء الأساسيين المتعلقة بممارسة المهنة، والعمل على تقديم الخدمات اللازمة، ورفع مستوى ممارسة المحامين للمهنة بما يرتقي بالممارسات الرائدة والتكامل الدولي، وضوابط تصنيف المحامين ودرجاتهم.
«تطوير مستقبل المهنة» وذلك بتنظيم الدروات، وإقامة المؤتمرات، والندوات، واللقاءات، والمعارض ذات العلاقة بمهنة المحاماة، والمشاركة فيها، ووضع البرامج التأهيلية والتدريبية في مجال المهنة وتقويمها، والمشاركة في ذلك مع الجهات المختصة، وإجراء الدراسات والبحوث ونشرها، وإصدار الكتب والنشرات والمجلات العلمية والمهنية والدوريات، وبحكم مشاركة جهات حكومية فإنَّ الفرصةَ سانحةٌ لسماع وجهة نظرهم فيما يؤملونه من المهنة وممارسيها، وما يمكنهم المساعدة فيه من مقترحات تتعلق بتطوير المهنة، لاسيما وأن تطوير مستقبل المهنة مرهونٌ بجودة مخرجات الجامعات لتمثيل عضوين لكليات مختصة بالمهنة. ويلاحظ غياب صوت المحاميات، وصوت القطاع الخاص في تشكيل المجلس كأحد المستفيدين من خدمات المهنة إلا أنَّ عجز المادة 12 من التنظيم قد تُسعف ذلك بحقِّ المجلس في أنْ يطلب حضور من يرى حاجة إلى سماع آرائه أو الاستعانة به دون أن يكون له حق التصويت.
تطلعات المحامين وأصحاب المصالح لا تملك سقفاً، وتكاد تكون أشبه بقائمة الأماني « Wish Lists»، من جهة أخرى فإن آمال أعضاء مجلس إدارة الهيئة لا حدَّ لها في تقديم كل جهد لإنجاح عملها وتحقيق أهدافها؛ ومن هنا تبرز أهمية وضع استراتيجية تعمل كجسرٍ يمتد من ضفة الأماني والآمال إلى ضفة الإنجازات والنجاحات. فرائد العمل الناجح يبدأ بوضع استراتيجية فعّالة يمكن قياس مستوى التحرك لتنفيذ خططها وجدولها الزمني لضمان التقدم من مرحلةٍ لأخرى.
وكما قيل «لا تُعدْ اختراع العجلة، ابدأ من حيث انتهى الآخرون»، فالتجارب الرائدة والدولية تختصر كثيراً من الاقتراحات أو مجالات التطوير، ومن أبزر تلك التجارب الرائدة هي مبادرة مؤشر إصلاح مهنة المحاماة «Legal Profession Reform Index»، الذي أصدرته نقابة المحاميين الأمريكيين «American Bar Association»، والذي يهدف إلى قياس أربعة محاور رئيسة ذات صلة بتطوير مهنة المحاماة، استرشادًا بأربعة وعشرين عاملاً مؤثراً عليها، وتلك المحاور هي: (1) الحريات والضمانات المهنية، ويتضمن: القدرة على ممارسة المهنة دون تدخل غير لائق أو تخويف، وضمانات للحصانة المهنية، والوصول للعملاء المحرومين من الحصول على دفاع، وحماية السرية بين المحامي وعميله، وإتاحة حصول المحامي على المعلومات ذات الصلة بتمثيل موكله، وحقِّ التمثيل أمام كافة الجهات دون قُيود تحد من ذلك نظاماً، (2) التعليم والتدريب والترخيص للمهنة، ويتضمن: رفع مستوى المتطلبات الأكاديمية، ومستوى المهارات القانونية، وضبط القبول في المهنة بالامتحانات اللازمة، وضمان إجراءات شفافة في قبول الترخيص، ومنها عدم التمييز للعرق أو الجنس أو اللون أو الرأي ونحو ذلك، (3) شروط ومعايير ممارسة مهنة المحاماة: كالمسائل المتعلقة باستقلالية المهنة، وحصولهم على المعلومات التي تمكن المحامين من الاضطلاع بواجباتهم، وضمان التعليم القانوني المستمر، ووضع آداب المهنة وسلوك ممارستها، والتأكد من عدالة الإجراءات التأديبية وكفاية العقوبات المهنية، (4) الخدمات القانونية: وذلك بضمان وجود عددٍ كافٍّ من المحامين في مختلف مناطق البلاد؛ للوفاء بالحاجة إليهم، والتأكد من وصول الخدمات القانونية للفئات المحرومة أو المعوزين، وتقديم الدعم اللازم؛ للمحافظة على حقوق المحامين المالية وتقديم المشورة للنزاع مع عملائهم، وتفعيل دور النقابات المهنية، ودعم برامج رعاية شؤون المحامين بالنقابات المهنية، ودور المحامين ونقاباتهم في إصلاح القانون في البلاد.
بإنشاء هيئة المحامين دخلت مهنة المحاماة عصراً جديداً يؤهلها لمرحلة تكامل مع منظومة الإصلاح القضائي الذي تشهده المملكة، خاصةً وأن التنظيم المؤسسي للهيئة يُعدُّ فرصةً ذهبيةً وتاريخيةً للارتقاء بتطوير المهنة، والاستفادة من أفضل الممارسات الرائدة لبناء القدرات الوطنية لشريك قويٌ وفاعل في تحقيق العدالة، ومساندة المنظومة القضائية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال