3666 144 055
[email protected]
في تمام الساعة الثانية عشرة والنصف صباحاً من اليوم الأول من شهر محرم عام 1433هـ ، وصلت امرأة إلى مستشفى في عسير (جنوب المملكة العربية السعودية)، وهي حامل في الأسبوع الـ 37، وتعاني من نزول السائل الأمنيوسي من الرحم ( بداية علامات الولادة) وكان تخطيط الجنين سليماً. وفي الساعة السابعة وعشر دقائق صباحا من ذلك اليوم، حيث كانت انقباضات الرحم ضعيفة والعنق غير متسع بما يكفي؛ تقرر تحفيز الرحم للولادة. وعند الساعة الثامنة صباحاً تغيّرت المناوبة حيث كان وضع المرأة مستقراً وتخطيط الجنين مطمئنًا، بيدَ أنه بعد مضي ربع ساعة فقط انخفض نبض الجنين وبدأت الأم تشكو من نزيف في الرحم وكان العنق متسعاً بمقدار 2 سم فقط، أي بما لا يكفي لإتمام عملية ولادة طبيعية؛ إذ يجب أن يكون 10 سم. فحصل الآتي:
1- انفصال حاد في المشيمة أدّى إلى انخفاض شديد في نبض الجنين؛ مما اقتضى من الطبيبة المقيمة (نائب أخصائي) الاتصال بالاستشارية والتي بدورها طلبت منها تحضير الأم لعملية قيصرية طارئة.
2- تأخر إجراء العملية القيصرية مدة 45 دقيقة مما أدى إلى اختناق شديد للجنين.
3- تأخر وصول الاستشارية (استشارية نساء وولادة) إلى المستشفى مدة خمس وثلاثون دقيقة من وقت الاتصال بها.
4- خلل في نظام استدعاء الاستشاري من منزله حيث يتم الاتصال بالمدير المناوب أولاً والذي لم يرد على اتصال الطبيبة المقيمة رغم اتصالها أربع مرات، ولم يوجد أخصائي نساء وولادة مناوب للتدخل العاجل في مثل تلك الحالات الطارئة.
5- توقف التنفس لدى الطفلة وبدأ جسدها يَزْرَقّ؛ فنُقلت إلى وحدة العناية المركزة لإنعاشها بسبب اختناق شديد ونقص أكسجين خلال الولادة. وقد تعامل الفريق الطبي للأطفال مع الحالة وفق الأصول الطبية المتعارف عليها وبدون أي تقصير، وتم شرح المضاعفات المتوقعة في مثل هذه الحالات للأب، ولكن نتيجة الإختناق للطفلة وما تبعه من مضاعفات؛ لم تتحسن حالتها فتوفيت في 19 ربيع الأول 1434 هـ.
6- حكمت اللجنة الصحية الشرعية على المستشفى بدفع دية الطفلة 150 ألف ريال (حق الخاص) إضافة إلى خمسين ألف ريال للحق العام.
ناقشت طبيبًا متخصصا لتحليل هذه القضية طبياً فخلصنا إلى ما يلي:
أولًا: أن انفصال المشيمة يحدث في الثلث الأخير من الحمل، خاصة في أسابيع ما قبل الولادة. وحالتنا هذه قد انفصلت المشيمة فيها في الاسبوع 37 من الحمل الذي يصل عادة إلى 40 أسبوعاً وقد يمتد إلى 42 أسبوعاً.
ثانيًا: أن حصول المضاعفات أمر وارد؛ فانفصال المشيمة ينجم عنه مشكلات تهدد حياة الأم والجنين، وقد تتعرض الأم لصدمة نتيجة فقدان الدم، وقد تتكون جلطات، أو فشل كلوي، أو تلف أي عضو من أعضاء الجسم، وقد يصل إلى استئصال الرحم في حالات نادرة للسيطرة على نزيف الرحم.
ثالثًا: تتعلق بالجنين حيث انفصال المشيمة تعطّل نسبة النمو لديه لعدم الحصول على العناصر المغذية الكافية في حال كان الانفصال في بداية الثلث الاخير. ونقص الأكسجين قد يتسبب في شلل دماغي.
رابعًا: العملية القيصرية الطارئة حيث يجب أن تُجرى بسرعة إذا كان هناك تهديد مباشر لحياة الأم أو الطفل كما في هذه الحالة، وألا يتجاوز ذلك نصف ساعه من اتخاذ القرار، على أن أفضل الأوقات للبدء في العملية خلال ربع ساعة فقط. لكن في حال كان التهديد ليس خطيراً أي مجرد مشاكل تؤثر على صحة الأم أو الطفل فيمكن إجراؤها في غضون ساعة.
وعند تحليل القضية قانونياً، نخلص إلى ما يلي:
أولًا: أن الخطأ الطبي الذي ينتج عنه ولادة طفل ميت حتى وإن حاولوا تدارك الأمر بعملية قيصرية؛ ينشأ عن سببين: السبب الأول: تأخر في إجراء العملية بعد تشخيص اختناق الجنين كما في هذه الحالة حيث التأخر في العملية وصل إلى 45 دقيقة وهو ما أثبت الإهمال الطبي على إدارة المستشفى بسبب خلل نظام استدعاء الاستشاريين. السبب الثاني: التأخر في اكتشاف ضيق تنفس الجنين وذلك بتجاهل علاماته؛ إذ التأخر في اكتشافه أو إهماله ينتج عنه شلل دماغي أو وفاة حتى وإن تم إجراء العملية في أقل من نصف ساعة.
ثانيًا: أن حقوق المرأة الحامل نصت عليها معظم القوانين الدولية، وفي السعودية ثمة وثيقة تسمى بـ “وثيقة الحقوق” صادرة عن وزارة الصحة. وتنص في الصفحة 18 على حقوق الحامل، ومنها: الحصول على الرعاية الصحية قبل وأثناء وبعد الحمل والولادة، والفحص المعتاد قبل الولادة ( سواء كانت طبيعية أو قيصرية)، والحق في حصولها على تفاصيل ولادتها مثل خطة الولادة والولادة الغريزية.. الخ، وتوفر الكادر المؤهل للتعامل مع المضاعفات التي قد تطرأ، وألا يتم قص العجان إلا بموافقة شفهية وللضرورة، والحق في الحصول على خطة علاج مستنيرة مع حقها في تقديم شكوى لمحاسبة المقصرين.
وعند تحليل القضية قضائياً نجد أن صدور الحكم اقتصر على دفع الدية والغرامة المالية للحق العام حيث يُلحظ عدم تعويض الأم رغم المضاعفات التي حصلت لها. وقد يكون ذلك عائد إلى أمرين: إما أن الادعاء لم يذكرها أي لم ينص على طلب تعويض الأم، أو يُحتمل أن اللجنة تجاهلت أمر التعويض بسبب الاعتياد على عدم التعويض المجزي في القضاء بشكل عام. إلا أنه وبإعمال قاعدة الضرر نجد أن الضرر لم يقتصر على الأم فقط، بل يمتد إلى الأب، ذلك أن تضرر أحد أفراد أسرته يصل إليه أثره قطعاً. وتجاهل القضاء لذلك قد يكون بسبب اعتياده على عدم التعويض عن الضرر المعنوي. وهو أمر تكلمت عنه كتب التعويض القضائي ومدى استحقاق المتضرر للتعويض عن الضرر المعنوي. وإن ارتقاء القضاء لدينا إلى تدارك ذلك أمر ممكن، بل الدولة تسير في اتجاهه، وصدور نظام التكاليف القضائية أحد مظاهر ذلك.
ختاماً، لا يمكن إنزال التصور القانوني على القضية الطبية إلا بمعرفة تفاصيل الأحداث التي صاحبت الحالة؛ لذا كان تحليل القضية طبياً أمر لا مناص منه لمن رام معرفة الخطأ الطبي.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734