الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هل هناك ما يدعو للتخوف من النقد! بالطبع لا، فجميع ما نقوم به في المملكة يأخذ طابع الشفافية والوضوح خاصة ما يتعلق بالتشريعات من أنظمة، ولوائح، وأوامر وقرارات نظامية.
أثناء فترة ابتعاثي لدراسة الدكتوراه في بريطانيا، قرأت عشرات إن لم يكن مئات المقالات القانونية عن الشركات الأجنبية وبعض الإشكاليات التي تواجهها في المملكة منذ السبعينات الميلادية، بعضها كان صحيحاً في نقده، والكثير منها ليس بذلك، ويعود إلى الجهل بالنظام القانوني السعودي(عدم العلم بالشيء ليس دليلاً على عدم الشيء).
وعندما قرأت بتمعن مقالة وول جورنال ستريت التي تحدثت عن الاستثمار الأجنبي في المملكة، وتراجعه بسبب بعض السياسات الحكومية والتشريعات الضريبية في المملكة، والتي أدت إلى تراجع الاستثمار في المملكة، وبالتالي التأثير على رؤية المملكة ٢٠٣٠ وعرابها صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان-حفظه الله-، تذكرت النوع الثاني من المقالات المشار إليها أعلاه!.
لن أتحدث عن الاستثمارات الأجنبية وأرقامها الواردة في المقال، ولا دقة المعلومات الاقتصادية التي تضمنها؛ ولكن سأتحدث عن الإشكاليات القانونية التي تضمنها المقال، والتي وجدت فيها ما يثير غريزتي القانونية لكتابة هذا المقال الذي سيتحدث عن ثلاثة أمور: قانونية السياسات الحكومية في فرض الضرائب، النظام القانوني السعودي في حماية الملكية الفكرية، وأخيراً مدى تأثير تلك الإجراءات القانونية على الاستثمار الأجنبي في المملكة، مقارنة ببعض القضايا التي حدثت في بريطانيا.
أولاً: تحدث المقال عن تقديرات ضريبية مفاجئة على شركات أوبر، وجنرال إلكتريك تقدر بعشرات الملايين من الدولارات، فالأرقام هذه-إن سلمنا جدلاً بصحتها- تعد طبيعية إذا أخذنا في الإعتبار رأس المال العامل لهذه الشركات الضخمة، أما من الناحية القانونية فإن فرض الضريبة وزيادتها-وهنا أتحدث عن ضريبة القيمة المضافة- مر بعدة مراحل تمهيدية قبل بدء تطبيقه فعلياً. فعندما أعلن معالي وزير المالية عن بعض الإجراءات المالية للحكومة السعودية لمواجهة الآثار الاقتصادية الناتجة عن جائحة كورونا، والتي من بينها رفع قيمة الضريبة المضافة إلى ١٥٪ كان ذلك في مايو ٢٠٢٠، ولأجل حماية المراكز القانونية التي ستتأثر بهذه الزيادة أخذ المنظم السعودي بهذا الاعتبار، وجعل تطبيق زيادة الضريبة في شهر يوليو ٢٠٢٠، وذلك لإعطاء المكلفين الوقت الكافي للاستعداد لمثل هذه الزيادة.
إضافة لذلك، فقد تضمن النظام القانوني السعودي المتمثل في نظام ضريبة القيمة المضافة والأنظمة الضريبية الأخرى، الأحكام النظامية الكاملة التي تضمن الحد الأدنى من العدالة للمكلفين، ابتداء من إنشاء لجنة مستقلة يعين أعضاؤها بأمر من الملك باعتباره مرجع السلطات الثلاث في المملكة (النظام الأساسي للحكم١٤١٢هـ) تختص بالفصل في المخالفات والمنازعات ودعاوى الحقين العام والخاص، الناشئة عن تطبيق أحكام الأنظمة الضريبية ولوائحها، والقرارات والتعليمات الصادرة بناءً عليها، وتعزيزاً لحق المكلفين، تم إنشاء لجنة استئنافية للنظر في استئناف القرارات الصادرة من اللجنة المشار إليها في حال عدم قناعتهم بها. وبناء عليه، وبحسب الأعراف والممارسات الدولية، فإن هذا هو الحد الأدنى من العدالة القانونية الذي يجب أن يوفر للمكلفين، وهو متحقق في النظام القانوني السعودي.
وأما مسألة تأثر الشركات بالزيادات الضريبية، وتأثر عملياتها بذلك، فإن مثل هذا الإدعاء قد يقبل من شركات ناشئة ليس لها خبرة في التعامل مع مثل هذه الظروف الطارئة، ولكن ليس من شركات كبيرة كأوبر وجنرال الكتريك التي يفترض أن لديها شراكات مع شركات استشارية تقدم لها الرأي القانوني والمالي ودراسات الجدوى المتضمنة المخاطر الناتجة عن الظروف الغير متوقعة، مثل تغير الأنظمة، تبني سياسات حكومية جديدة، وهو أمر متعارف عليه في الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي تخفيف نسبة المخاطر عليها. مما يعني إشكالية لدى تلك الشركات في إجراءات دخول المشاريع الضخمة، واحتياج تلك الإجراءات إلى المراجعة، بدلاً من إلقاء اللوم على الجهات الضريبية!
ثانياً: أما ما يتعلق بادعاء سرقة حقوق الملكية الفكرية لشركات الأدوية الأجنبية العاملة في السعودية، فلابد من الإشارة إلى مبدأ قانوني وهو: أن الممارسة لا تعني المشروعية، ووجود سيارة تقطع الإشارة ليس دليلاً على مشروعية هذا الفعل. وبالنظر إلى النظام القانوني السعودي ومدى تضمنه أحكاماً تعنى بالملكية الفكرية، نجد أن المملكة لها اهتمام قديم بهذا الجانب ابتداء من انضمامها إلى المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وما تبعه من الانضمام إلى اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية، وإصدار تشريع خاص محلي هو نظام براءات الاختراع والتصميمات التخطيطية للدارات المتكاملة والأصناف النباتية والنماذج الصناعية في المملكة العربية السعودية، إضافة إلى تشريعات أخرى معنية بالعلامة التجارية، والمؤلف، والحقوق المجاورة للمؤلف، وغيرها، و إنشاء جهاز حكومي هو الهيئة السعودية للملكية الفكرية، والتي صدر بشأنها قرار مجلس الوزراء رقم (٤٩٦) وتاريخ ١٤/٩/١٤٣٩ه معنية بجميع ما يتعلق بالملكية الفكرية، تنظيماً، ومراقبة، وإشرافاً، إلى جانب وجود لجان قضائية للنظر في القرارات الصادرة بشأن هذه الموضوعات، والاستئناف من أحكامها أمام الجهات القضائية المعنية. وبالتالي فالنظام القانوني السعودي من: تشريع، وجهات قضائية، وأجهزة رقابية يعد نظاماً متكامل العناصر للحماية اللازمة للملكية الفكرية.
وهنا يأتي دور الأفراد والشركات في الحفاظ على حقوقهم في الملكية الفكرية، من خلال اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لذلك، وفي حال انتهاك تلك الحقوق بالإمكان اللجوء للجهات القضائية للنظر في ذلك. وقضاء وأحكام ديوان المظالم زاخر بكثير من الأحكام من هذا النوع، واستغرب مثل هذا الإدعاء من تلك الشركات، والذي لا يخرج من أحد احتمالين: إما عدم اتخاذها الإجراءات القانونية اللازمة للحفاظ على خدماتها، ومنتجاتها التي ابتكرتها، وإما عدم توفقها في محامين قادرين على الحصول على حقوقها القانونية الناتجة عن الملكية الفكرية، وفي كلا الحالتين فأسهل وسيلة لعدم تحمل المسؤولية هي: إلقاء اللوم على النظام القانوني السعودي في عدم حمايته للملكية الفكرية!
ثالثا: شهدنا خلال السنوات القليلة الماضية عدة قضايا في عدة دول رفعت على شركات كبرى متضمنة تعويضات بمئات الملايين، ولكن لم نجد تلك الشركات تشتكي من تلك الدول، مما يثير علامة تساؤل في مدى دقة التقرير الصادر من جورنال وول ستريت. فعلى سبيل المثال: في بريطانيا وبعد أن قررت المحكمة العليا في بريطانيا إعادة تكييف العلاقة التعاقدية بين السائقين وشركة أوبر على اعتبار أنهم عاملين لدى الشركة يستحقون جميع الحقوق المكفولة بموجب تلك العلاقة؛ من إجازات ومكافآت نهاية خدمة وغيرها. رفعت عدة مكاتب محاماة قضايا للمطالبة بحقوق مالية لسائقين تتجاوز ٢٠٠ مليون جنيه إسترليني، استناداً لحكم المحكمة العليا. في حين أنه وفي مثال آخر، يواجه محرك البحث الشهير قوقل Google قضية تعويض بمبلغ يتجاوز ٣ بلايين جنيه إسترليني؛ بسبب إدعاء تتبع تعاملات الإنترنت لملايين المستخدمين لجهاز آيفون.
وفي كلا الحالتين لم نجد مقالة تتهم الأنظمة البريطانية أو الحكومة البريطانية أو الجهات القضائية بالتسبب في إنحسار الاستثمار الأجنبي.
النقد مطلوب؛ للتطوير والتحسين إن كان مدعوماً بما يؤيده من الوقائع والإثباتات، ولكن إن كان ذلك النقد لأجل استخدامه كوسيلة ضغط على الطرف الآخر لتغيير سياساته، فليست هذه الطريقة هي المجدية مع المملكة، مع وجود كفاءات وكوادر سعودية قادرة على التمييز بين الحق والباطل!.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال