الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في مطلع هذا العام، نشرت منظمة الشفافية العالمية تقرير مؤشر الفساد في العالم. ما أثار دهشتي أن المملكة منذ أن بدأت رحلتها في مكافحة الفساد المؤسسي خلال السنوات الخمس الماضية، ترتيبها بين دول العالم يتأرجح في ملعب رقم الخمسين يزيد وينقص. وهذا أثار حفيظتي، خصوصا في ظل كل الجهود المبذولة. معايير التقرير ليست واضحة بشكل كبير، ولكن يمكن من خلالها ان نستشف بعض الامور التي قد تساعد في إظهار جهود المملكة دوليا في مجال مكافحة الفساد. التقرير ركز بشكل كبير على مسألة حقوق الإنسان والفساد، وعند البحث في هذا المعيار، نجد أنه يعني في مجال مكافحة الفساد عناصر متعددة، من أهمها تحقيق الشفافية المالية.
مفهوم الشفافية المالية هي إدراك أن السياسات المالية- من فرض الضرائب والاقتراض والإنفاق والاستثمار وإدارة الموارد العامة- كلها تصرفات لها تأثيرات حاسمة على النتائج الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في جميع البلدان وعلى على جميع مستويات التنمية. وبالتالي، لابد من الإفصاح عن الميزانيات والارقام والسياسات والخطط المالية، للدولة بشكل عام، ولكل جهاز حكومي او تابع للحكومة، أو للقطاع الخاص ايضا.
الشفافية المالية تشمل جانبين رئيسيين. الجانب الأول يتعلق بأحقية الوصول على البيانات والقوائم المالية لجميع الأفراد. وهذا الجانب يشمل تطوير الأنظمة القانونية الوطنية من خلال النص صراحة على إتاحة المعلومات المالية للجمهور دون تمييز. كما يجب أن تكون الاستثناءات محدودة في طبيعتها، ومحددة بوضوح في الإطار القانوني، وخاضعة للطعن من خلال آليات مراجعة منخفضة التكلفة ومستقلة وفي الوقت المناسب. ايضا، يجب على الحكومات نشر أهداف واضحة وقابلة لقياس السياسة المالية العامة الإجمالية، والاعلان بانتظام عن التقدم المحرز في مقابلها، وتوضيح الانحرافات عن الخطط. اضافة على ما سبق، يجب تزويد الجمهور بمعلومات مالية واستراتيجية عالية الجودة عن الأنشطة المالية السابقة والحالية والمتوقعة ومستوى الاداء والمخاطر المالية والأصول والديون العامة. يجب أن يكون عرض المعلومات المالية في الميزانيات، والتقارير المالية، والبيانات المالية ملزما لجميع المؤسسات في القطاع العام والاجهزة التابعة لها يفي بالمعايير المعترف بها دوليًا. يجب على الحكومات إبلاغ الأهداف التي تسعى لتحقيقها والمخرجات التي تنتجها بالموارد الموكلة إليها، والسعي إلى تقييم النتائج الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المتوقعة والفعلية والكشف عنها.
الجانب الاخر من الشفافية المالية هي حوكمة السياسة المالية. وتكون حوكمة السياسة المالية عن طريق استناد جميع المعاملات المالية للقطاع العام إلى نص النظام والقانون، بحيث يتم سد الفراغ التشريعي حال اكتشافه. كما يجب أن تكون جميع القوانين واللوائح والإجراءات الإدارية التي تنظم إدارة المالية العامة متاحة للجمهور، وتخضع في تنفيذها لمراجعة مستقلة ومستمرة. كما يجب تحديد نطاق القطاع الحكومي والقطاع الخاص، خصوصا في ظل مفهوم الخصخصة والشركات المملوكة من قبل الدولة. فيجب تحديد من يعتبر ضمن القطاع العام والقطاع الخاص، وتحديده بوضوح وذلك لأغراض إعداد التقارير والشفافية والمساءلة. كما يجب الإفصاح عن العلاقات المالية الحكومية مع القطاع الخاص، وإدارتها بطريقة مفتوحة، واتباع قواعد وإجراءات واضحة. يجب أيضا تحديد الأدوار والمسؤوليات المتعلقة بزيادة الإيرادات، وتحمل الالتزامات، واستهلاك الموارد، والاستثمار، وإدارة الموارد العامة بشكل واضح في التشريع وتحديد اختصاص كلا من الفروع الثلاثة للحكومة (السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية). من عناصر الحوكمة للسياسة المالية هو أن يتمتع الجهاز الأعلى المتخصص بالرقابة المالية باستقلالية قانونية عن السلطة التنفيذية حيث يكون الوصول الى المعلومات اللازمة للتدقيق أكثر سهولة وبعيدا عن البيروقراطية.
بشكل عام، وبعيدا عن تحليل المؤشرات الدولية، فإن الوصول إلى معلومات عالية الدقة، والمشاركة العامة الهادفة، وآليات المساءلة الفعالة تساهم في ابراز الجهود الوطنية في مكافحة الفساد. فهذا النوع من الشفافية يعزيز نزاهة وجودة وتنفيذ السياسات المالية، يحد من الفساد، يزيد شرعية الحكومة والثقة فيها، يزيد الاستعداد لدفع الضرائب وتوفير التمويل، يعزز فعالية المساعدة الإنمائية وبالتالي تعزيز العدالة والكفاءة والفعالية والاستقرار الاقتصادي واستدامة السياسات المالية، وتعزيز احتمالية أن يكون للسياسات المالية تأثير اقتصادي واجتماعي وبيئي إيجابي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال