3666 144 055
[email protected]
من المفترض أن تقدم وكالة الطاقة الدولية (IEA) تحليلات وتوقعات محايدة لاتجاهات العرض والطلب على الطاقة وما تعنيه لأمن الطاقة العالمي والتنمية الاقتصادية بما يخدم مصالح المستهلكين وصُنّاع القرار في سياسات واستثمارات الطاقة.
منذ بداية جهود منتجي أوبك بلس مطلع عام 2017 ومع بوادر توازن السوق، روّجت الوكالة لنظريات تدعم تخمة الإمدادات وتخفيض نمو الطلب العالمي على النفط لتقويض مساعي أوبك لتوازن السوق، بعد الإيحاء بتأخر عودة التوازن.
استماتت الوكالة بطرح توقعات جاءت متناقضة مع سابقتها، من جهة تباطؤ الطلب مع زيادة برامج كفاءة الطاقة وتحول قطاع النقل إلى تقليل الاعتماد على الوقود التقليدي، مما كان يُفترض أن يُخفض استهلاك وقود المواصلات نسبياً، لكن الوكالة تجاهلت نمو الطلب المضطرد من النقل التجاري.
فاقمت الوكالة من تأثير الجائحة على انشطة المنبع والمصب بعد الخسائر الغير مسبوقة التي تكبدتها شركات النفط العالمية ومصافي التكرير من خلال الدعوة إلى وقف تمويل مشاريع الوقود الأحفوري، في حين تحتاج صناعة النفط الى تدفقات رأسمالية كبيرة لاستثمارات المنبع لتلبية عودة النمو القوي القادم على الطلب بعد الجائحة.
شيطنة الوكالة للنفط والتقديرات المنخفضة للطلب والأسعار أضرت كثيرا باستثمارات المنبع والمصب وستؤثر على إمدادات النفط مستقبلا، خصوصا مع خارطة طريق الوكالة لصافي انبعاثات صفري الكربون عام 2050 ودعواتها لضرورة ايقاف فوري لاستثمارات أنشطة المنبع في النفط والغاز.
وضعت الجائحة ضغط هبوطي كبير على صناعة تكرير النفط العالمية وسط انخفاض كبير في الطلب على المنتجات المكررة، مما أدى إلى انخفاض قدرة التكرير العالمية الأكبر منذ 30 عام في عامي 2020 و 2021. عودة الطلب في النصف الثاني من عام 2021 حفف كثيراً من ذلك الضغط، ولكن تسارع المستثمرين كان لتعويض خسائر الجائحة بدلاً من الضخ الاستثماري.
أقرت الوكالة بأن طاقة التكرير العالمية قد تأثرت بالإغلاقات وارتفاع تكاليف الطاقة، مما أدى إلى انخفاض تشغيل مصافي التكرير العالمية منذ منتصف عام 2020 بنحو 3.6 مليون برميل يوميا من اغلاقات مصافي التكرير منذ بدء الجائحة، مما قد يُمكن تعويضه بالزيادة المتوقعة بحوالي 3 إلى 3.7 مليون برميل يوميا حتى عام 2025 من المصافي الجديدة، لا سيما مع متوسط إنتاج المصافي 76 مليون برميل يوميا عام 2020 و 79 مليون برميل في اليوم عام 2021 أقل من مستويات ماقبل الجائحة. كما أقرت الوكالة أنه من أجل زيادة متوسط معدلات تشغيل مصافي التكرير العالمية للعودة إلى مستويات مستدامة أعلى من %80، هناك حاجة إلى 6 مليون برميل في اليوم من طاقة التكرير العالمية الإضافية.
ألم تساهم وكالة الطاقة الدولية في عمليات الإغلاق العالمية لعمليات التكرير بعد أن ذكرت بأن توسعات المصافي واسعة النطاق وتوقعات حدوث انخفاض هيكلي طويل الأجل في الاستهلاك قد خلقت عبئ في صناعة التكرير العالمية لا يمكن حلها الا عن طريق عمليات هائلة لإغلاقات مصافي التكرير، وهذه دعوة صريحة إلى توسيع عمليات إغلاق مصافي التكرير العالمية بالإضافة إلى الدعوة إلى تحجيم الاستثمارات.
تستغل الوكالة محاربة الوقود الأحفوري للتأثير على صانعي القرار ليس فقط من الناحية المناخية ولكن أيضا من الناحية الاقتصادية. لقد أرسلت الوكالة العديد من الإشارات لتثبيط الاستثمار في صناعة النفط دون النظر في التأثير الهائل لاستثمارات المنبع على إمدادات الطاقة العالمية وعلى المستثمرين أنفسهم.
أبلغت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) عن إغلاق %4.5 من طاقة التكرير في الولايات المتحدة إلى إجمالي 18.1 مليون برميل في اليوم منذ بداية عام 2021، حيث انخفض عدد مصافي التكرير الأمريكية إلى 129 مصفاة، انخفاضاً من 135 مصفاة في بداية عام 2020، والتي تعكس إلى حد كبير تأثير الجائحة على قطاع التكرير في الولايات المتحدة الأمريكية.
قد يؤدي نقص الاستثمار في مشاريع المنبع والمصب إلى نقص كارثي في إمدادات النفط والمنتجات البترولية المكررة على المدى المتوسط حيث قد لا يواكب العرض نمو الطلب وسط النمو الاقتصادي والتطورات الديموغرافية، خصوصا أنه حتى الآن لم يعوض الكثير من النفط المنتج الانخفاض الكبير في الاستثمارات النفطية.
سيؤدي الإنفاق الرأسمالي المنخفض بشكل كبير إلى عدم مواكبة الإمدادات لانتعاش الطلب السريع الذي ارتفع بشكل أسرع من المتوقع. الطاقة الفائضة العالمية محدودة وهذا بالطبع سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، بينما لا يمكن الاستغناء عن النفط بالتأكيد، كما سيؤدي انخفاض الطاقة التكريرية لمصافي التكرير عالمياً الى ارتفاع أسعار المنتجات البترولية المكررة.
ساهمت مغالطات الوكالة ودعواتها لوقف تمويل الوقود الأحفوري في إغلاق عمليات مصافي التكرير العالمية ونقص قادم في إمدادات النفط، ومن المستغرب أن بعد كل تلك المغالطات، من المفارقات أن تدعوا الوكالة كبار منتجي النفط والغاز إلى زيادة إنتاجهم لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة.
سيكون من المثير للاهتمام رؤية تدشين مصافي تكرير حديثة، وسيكون من المثير للاهتمام أيضا أن نرى كيف ستستجيب طاقة التكرير العالمية لموسم الطلب المرتفع على البنزين هذا الصيف.
التناقض الصارخ والفاضح من الوكالة والتي كانت من أكبر داعمي النفط الصخري في عهد الرئيس الأمريكي السابق ترامب، تحولت اليوم إلى أكبر عدو له في عهد الرئيس الأمريكي بايدن، ليتضح جلياً أنها أصبحت وكالة تُستخدم لدفع الأجندات السياسية وتتبع خطاباً مسيّساً ومعيباً لمصداقيتها المهزوزة المستمرة بالتناقص.
بعد كل تلك التناقضات والمغالطات من الوكالة، هل من المعقول أن تبني الدول وصناع القرار والمستثمرون سياساتهم لمستقبل الطاقة على توقعات الوكالة، وهل يُعقل أن يستمر الإعلام المحلي والإقليمي بتداول ونقل توجهاتها وهي تحاول فرض أجنداتها على ميزان الطاقة والاقتصاد العالمي والتاثير سلباً على اللاعبين الرئيسيين بعد أن فقدت مصداقيتها منذ زمن بعيد.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734