الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تولِّد التشريعات الجديدة مزيدا من الفرص، ولكن في معظم الأحيان لا تتاح هذه الفرص بطريقة عادلة. التعامل على مستوى “القطاع” تشريعيا وتنظيميا وإشرافيا خطوة تستحق الاحترام، فلكل قطاع تحدياته وخفاياه والفهم الخاص به، لكن هل بيع وصيانة الجوالات يمثلان أهم ما في قطاع الاتصالات؟ ماذا يعني لرب العمل ـــ والباحث عن عمل كذلك ــــ تكرار تجارب “السعودة” التي لم تثبت فاعليتها في قطاعات أخرى، وما المؤشرات التي تفيدنا باختلاف تجربة اليوم عن سابقها من التجارب؟!
تتسم قطاعات التجزئة بالنشاط والديناميكية وسهولة العبور ــــ فهي مفتوحة ومتاحة ـــ وقابلة للتجزئة أو الجمع، وهي كذلك قريبة من رؤية وإحساس المواطن المستهلك، لذا تستهدف دائما من المشرعين للتعديل والتأثير والتغيير. تمرير برنامج لسعودة بيع أجهزة الجوالات أسهل وأقوى صدى من سعودة قطاع صناعي أو تفكيك أسواق الغذاء وتهيئتها للاستفادة من إنتاجية المواطن.
ذكر في صحيفة “الاقتصادية” قبل بضعة أيام ـــ الثلاثاء السادس من جمادى الآخرة ــــ أن المستثمرين في هذا القطاع بدأوا فعليا في التخلي عن متاجرهم هربا من مشكلة التوطين. وهذا الأمر ليس جديدا، فالكثير من القطاعات تتعرض لإعادة تشكيل جذرية تتبع التشريعات التي يتم تنفيذها. السؤال الذي يطرح نفسه، هل كانت إعادة التشكيل ــــ خروج مجموعة من المستثمرين الصغار ودخول غيرهم من الكبار ــــ صحية للسوق وعالجت المشكلة المراد حلها؟ لا أعتقد ذلك، ولننظر إلى من يخرج ومن يدخل في مجالات النقل والتعليم الخاص.
إذا كانت وزارة العمل تتوقع خروج بعض المستثمرين ودخول آخرين ــــ وهذا ما تم التصريح به ــــ فما آلية التصفية هنا؟ من يجب أن يخرج ومن يجب أن يدخل؟ وما هو الإطار الزمني للقيام بهذا التحول؟ هل هناك من يحقق هوامش ربحية استغلالية وسيتم إخراجه، أم الخطة تحتوي على ما يضمن تحسين الخدمات المقدمة للمستهلك من المشاركين الجدد؟ التركيز على مكاسب سريعة تتعلق بالسعودة يتعارض مع آليات تنويع مصادر الدخل التي تستند إليها خطة التحول الوطني حيث يمثل دعم المنشآت الصغيرة أحد أكبر محاورها. من الطبيعي لعملية الضغط السريعة هذه أن تعتبر وكأنها تحذير مباشر لمؤسسي المشاريع الصغيرة، فالسوق متغير ومتطلباته قاسية ومن الأفضل لهم أن يبحثوا عن مجال آخر. لن يدخله إلا الكبار، ولن يستفيد إلا هم.
بالتزامن مع خطة توطين قطاع الاتصالات، أعلنت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني استحداث برامج تدريبية جديدة لتلبية احتياج قطاع الاتصالات في المملكة. تقوم هذه البرامج على 11 معيارا أعلنت عنها المؤسسة تختص بتقنيات الاتصالات. لا يرتبط مباشرة بالمهن التي تم الإعلان عن سعودتها إلا معيار وحيد: “معيار مهني فني جوال”. والملاحظ أن بقية المعايير الفنية تختص بالبنية التحتية لشبكات الاتصالات التي لا تتطور بقدر أسواق التطبيقات مثلا، وأيضا لا تتاح وظائفها إلا من جهات معدودة ومعروفة. إذا كانت صيانة الجوال لا تتطلب إلا معيارا وحيدا من 11 معيارا تم تقريرها بناء على دراسة مسحية لسوق العمل، فلماذا لا يتم الإعلان عن خطط ـــ أو إنجازات ــــ التوطين في المجالات الأخرى التي تغطيها بقية المعايير المهنية المبنية على سوق العمل؟
أيضا، يصرح لـ “الاقتصادية” مسؤول وزارة التجارة والصناعة ـــ الإثنين الخامس من جمادى الآخرة ــــ أن: “الوزارة تعمل حاليا على دراسة كل الأفرع المتعلقة بتوطين قطاع الاتصالات ليتم تطبيق القرار في وقت نفاذه، مؤكدا عدم وجود بيانات دقيقة فيما يتعلق بنسبة التستر التجاري في قطاع الاتصالات”. وهذا يعني أن الدراسة لا تزال تحت التنفيذ على الرغم من أن مهلة القرار بدأت فعليا، ماذا لو استدعت نتائج الدراسة الرجوع عن القرار؟ هل سيتم تعويض من عرض محاله للتقبيل؟ أشك في ذلك.
من الجيد أن نرى جهودا متخصصة ومتواكبة لزيادة فاعلية بعض القطاعات المحددة والواعدة. ولكن ما يجب القيام به أولا هو تهيئة القطاع ـــ كما تتم تهيئة المواطن المنتج ــــ لتحصل عملية المواءمة وتتحقق النتائج الحقيقية الدائمة. رفع مستوى الخدمات، تقديم معايير لحماية مستهلكي الأجهزة، محاربة التقليد، وتطوير خدمات ما بعد البيع، وابتكار الخدمات المضافة وتفعيل كل هذا على مستوى القطاع، سيحسن من إنتاجيته ويخرج منه من لا يريد أن يتحسن. هنا تصبح المعادلة عادلة، إذ تتحسن تبعا لذلك فرص التوظيف في قطاع يقدم قيمة ممتازة لمستهلكيه ويحصد ما يقابل ذلك. لن يضطر أرباب العمل فيه إلى استخدام الوظائف الوهمية أو خلافه. أنتظر كذلك أن يتشكل فريق متخصص يقوم بتمكين الشباب والوقوف مع مشاريعهم أمام العقبات الحكومية والمنافسات غير العادلة في سوق بيع وصيانة الجوال. مرة أخرى، التركيز على القطاع وبهذا المستوى من التفصيل يصنع الفرص، بينما التعميم بنسب السعودة وتنفيذ حملات التفتيش لن يعود بنتيجة مختلفة عما سبق.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال