الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رئيس مركز جواثا الاستشاري
ihsanbuhulaiga@
هل سنبيع أرامكو، دانة الاقتصاد السعودي ومرتكزه؟ ونبيع معها احتياطاتنا من النفط؟!
أولاً، بيع أرامكو. تصنف شركات النفط في العالم لفئتين: شركات نفط حكومية وشركات نفط مستقلة. عملياً، مكثت “أرامكو” جلّ حياتها في الفئة الأولى، وبمجرد طرح جزء من أسهمها (5 بالمائة) طرحاً عاماً ستنتقل للفئة الثانية، أي ستصبح شركة نفط مستقلة غير حكومية. ويمكن بيان أن ما سيجلبه الطرح ليس مستثمرين (لعلهم أجانب) ليستلموا مقدرات الشركة، وليدخلوا من النافذة بعد أن أخرجناهم من الباب في العام 1980! إذ ستبقى الدولة مالكاً للحصة الأكبر (95 بالمائة) ولكن في شركة مُدرجة. والادراج وما أدراك ما الادراج، فما سيجلبه الطرح هو أكثر من مجرد عوائد نقدية! فلا جدال أن “الكاش” مهم، لكن أهميته لا تقارن بما سيجلبه الطرح العام من قيمة؛ فإدراج شركة أرامكو السعودية في سوقٍ ماليةٍ محلية أو خارجية سيعني خروج أرامكو من وضعية “الصندوق الأسود” التي تعيشها منذ تأسيسها، إلى الوضعية الطبيعية لأي شركة مستقلة من حيث: الالتزام بمعايير الحوكمة والافصاح المالي والإداري، وفصل الملكية عن الإدارة وتوزيع الأدوار وتكاملها، وسيمكن الشركة من الاستفادة من “َضخامتها” التي بقيت –إجمالاً- محبوسة على مدى العقود الماضية ضمن الحدود الوطنية إلا فيما عدا بعض الأنشطة التي تخدم في الأساس تسويق النفط السعودي. في المحصلة هذا يعني تحول شركة أرامكو إلى لائحةٍ تضم إكسون موبيل وبرتيش بتروليوم وشل، بما يتيح لها أن تعمل كشركة عالمية للطاقة، أي لتتنافس معهم في بقع جغرافية أوسع من العالم. ولعل السياق يتطلب بيان أن ملكية الشركة في نهاية الأربعينيات كانت موزعة بين الشركات: إكسون 30 بالمائة، سوكال 30 بالمائة وتكساكو 30 بالمائة وموبيل 10 بالمائة، وكانت تُدار من نيويورك.
ثانياً، بيع الاحتياطي. هل سنبيع احتياطيات النفط؟ الجواب الموجز: ما مناسبة السؤال؟! فالموضوع هو عن طرح الشركة لتصبح مستقلة مُدرجة، أي عن بيع 5 بالمائة من أسهمها مقابل نقد، وليس الحديث عن صكوك لبيع الاحتياطي النفطي، فمن يشتري سهماً لا يشتري براميلاً من الاحتياطي، بل شهادة بتملكه عدداً من أسهم لشركة مدرجة في السوق تسمى أرامكو. ولابد من الاستدراك بالقول إن أرامكو السعودية لا تملك برميلاً واحداً من احتياطاتنا النفطية، هي تعمل وفق اتفاقية امتياز لاستكشاف النفط والتنقيب عنه واستخراجه ونقله وتصديره وتكريره. أرامكو لم تملك قط الاحتياطيات، فمن يملك الاحتياطيات هي الدولة، واتفاقية الامتياز تمنح الشركة حق استغلال الاحتياطي وليس تَمَلكه، ولذا فالاحتياطي لم يكُ قط جزءاً مما تملكه أرامكو. هذا لا يقلل من القيمة الكبيرة لاتفاقية الامتياز، ولكن ثمة فرق جوهري بين حق الاستغلال (الامتياز) والملكية القراح. وتجدر الإشارة أن المملكة لم تتنازل قط عن هذا الحق، فقد مارست سيادتها على نفطها في كل الأوقات، حتى عندما كانت أرامكو شركة أمريكية تمتلكها الأخوات الكبار، فقد استطاعت الحكومة في مطلع الخمسينيات أن تعييد تقسيم توزيع الأرباح ليصبح بالتساوي مع الشركة الأمريكية، ونقلت مقر الشركة من نيويورك إلى الظهران، وفي العام 1980 تملكت الشركة بالكامل، فأصبحت سعودية بعد أن كانت أمريكية خالصة في البداية، أي ذهبت تلك الشركات وبقي الاحتياطي تحت الأرض.
الآن، الحديث عن خروج “أرامكو السعودية” من جلباب الحكومة لتصبح شركة مستقلة، وليس بيعها ولتسييل أصولها و”ألتخارج” منها، على لمنحها المجال والأدوات لتنافس الأخوات الكبار في بقع جغرافية أوسع من العالم، ولتصبح أكثر من مُجرَد شركة “تزعب” النفط السعودي، إلى شركة صناعية متكاملة ترتكز إلى مزايا تنافسية تساهم في الجهد الأهم لتحويل الاقتصاد السعودي لاقتصاد صناعي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال