الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا يوشك الجدل على الانقطاع في المجلس الأسبوعي لرجل الأعمال المهم. ينقسم من حوله إلى فريقين، أحدهم متفائل بشأن التطورات الأخيرة المرتبطة بتفكيك البيروقراطية وجودة الخدمات المقدمة للتجار والآخر متشائم جدا. ولكن في اللقاء الأخير تحول الحديث نحو الهيئة العامة للزكاة والدخل، أو كما تعارفوا عليه، “المصلحة”. كان الحديث حول المصلحة من الأحاديث القليلة التي تنال إجماع الكل وتعجب الكل.
مرت هيئة الزكاة خلال الفترات الماضية بثلاثة تغييرات مؤثرة، الأول التطورات التقنية الجوهرية التي تتاح لجهاز الزكاة والدخل ويمكنه الاستفادة منها بشكل لم يحدث من قبل. من ذلك توافر المعلومات المالية للشركات بطريقة موحدة وموثوقة بفضل نظام “قوائم” الذي أسسته وزارة التجارة بالتعاون مع الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، إضافة إلى الربط الإلكتروني مع الجهات الأخرى. كذلك تدشين نظام “إيراد” المتفوق من الناحية التصميمية ـــ ولكن حتى الآن يتعامل معه التجار كمصدر إزعاج وضرر بسبب تواضع التدشين واتباع أسلوب المفاجأة وغياب التدرج. ثانيا، نال هذا الجهاز المهم تغييرا جوهريا في اسمه ــــ من مصلحة إلى هيئة عامة ــــ وهذا يفيد بتطورات متعددة على مستوى الصلاحيات والمسؤوليات. ثالثا، نية المملكة المعلنة والأكيدة المضي قدما في استخدام أنظمة وأدوات ضريبية أكثر تقدما مما يمارس حاليا لإدارة اقتصادها المحلي، ومن ذلك ضريبة القيمة المضافة وضرائب الدخل الفردي والاتفاقات الضريبية الثنائية التي نما عددها بشكل هائل، وما تلزمنا به الاتفاقيات الدولية كأسعار التحويل والفاتكا الأمريكية ومعايير التقرير العامة CRS وغيرها من التطورات الأخرى.
من يملك خبرة التعامل مع هيئة الزكاة خلال العقدين الأخيرين يعرف تماما أن أداء هذا الجهاز تحسن بطريقة دراماتيكية خلال هذه الفترة. من علاقة الصادر والوارد، وسلطة مدير الفرع، والتنفع من العلاقات مع الموظفين، واختلاف الأداء من منطقة إلى أخرى، وتواضع أساليب الدفع، إلى تغير شبه كامل في كل هذه الأمور. تقوم أعمال هيئة الزكاة اليوم بطريقة أفضل من السابق، فيها إجراءات موحدة ــــ إلى حد ما ــــ وتحسن في تعامل الموظفين، وسرعة في إجراءات الدفع. ولكن لا تزال الهيئة بعيدة جدا عن الطموح بل يعاكس أداؤها في كثير من الأحيان مستوى وأسلوب النمو في تطور الجهات الحكومية عموما وتلك المرتبطة بالأعمال التجارية تحديدا.
تعاني الهيئة حتى تغلق الملفات الزكوية المفتوحة لقطاع كبير من الشركات، ولا أعلم إن كان السبب متعلقا بكفاءة الأداء أم أن حجم الهيئة بجميع مواردها لا يتناسب مع حجم النشاط التجاري. لهذا الأمر خطورة كبيرة تتبع الزيادة السريعة في عدد الجهات الملزمة بتقديم حسابات نظامية لهيئة الزكاة بعد تطور نظام الشركات أخيرا. لا تنحصر هذه المسألة على بعض الملفات الزكوية الشائكة فقط، بل هي مسألة عامة تشمل كل من يقدم إقراره، فلا يعلم متى يتم الربط عليه ـــ وقد يستمر الأمر لسنوات ــــ وإذا تم الربط واستوجب الأمر اعتراضا لن يستطيع حتى تقدير فترة الانتهاء من هذا الملف.
لا تزال تصرفات هيئة الزكاة محرجة للمحاسبين القانونيين الذين يمثلون عملاءهم، فهي متغيرة وهم لا يملكون إجابات أو تفسيرات واضحة. طريقة تدشين نظام “إيراد” أخيرا التي تم الإعلان عنها أثناء موعد تقديم الإقرارات السنوي وما تطلبه ذلك من عمليات تحديث للملفات، أقرب مثال. هذه التصرفات نفسها يتم استغلالها من آخرين لرفع أسعار الخدمات، في نهاية الأمر تستلزم عددا أكبر من الساعات للمعالجة. قامت الهيئة قبل عدة سنوات بتطوير نماذج الإقرارات الزكوية وزيادة مستوى الإفصاح بها وذلك تقليلا لمستوى الاستفسارات التي ترسلها الهيئة عادة بعد تسليم الإقرارات، ولكن ما حصل هو أن المكلف يقوم بتسليم إقرار دسم مملوء بالبيانات ويخضع بعد ذلك لعدد غير قليل من الاستفسارات والاستيضاحات التي يأخذ كل واحد منها عدة أشهر في دورة إعداده وإصداره وإرساله حتى تسلّم الرد من المكلف.
تعتبر أعمال الزكاة والدخل أعمالا فنية ومالية متقدمة يقوم عليها في العادة أكثر المحاسبيين والماليين كفاءة في البلاد. لا ننكر أن السعوديين المؤهلين محاسبيا وماليا لا يزالون قليلين جدا إلا أن الهيئة لا تملك ما يكفي من المميزات لاستقطاب أي منهم. لذا في نهاية الأمر نجد أن أي عملية تغيير وتطوير تقوم بها هيئة الزكاة تعتمد أساسا على موردها البشري الأهم ويقوم نجاحها على نجاحه. الحديث عن المصلحة ذو شجون ومملوء بالتناقضات. إذا لم يتم الوصول إلى عين المشكلات التي يعانيها هذا الجهاز فإن التغييرات التقنية والشكلية لن تحدث الفارق، وهذا ما تم الاتفاق عليه في المجلس الأسبوعي لرجل الأعمال، عدم وضوح الرؤية وإلى إين تتجه التطورات الأخيرة للجهاز الزكوي. أتمنى ـــ وأتوقع بإذن الله ـــ أن تزيح الشهور القادمة الكثير من هذه الضبابية.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال