الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تمثل التفاصيل أهم أجزاء الحقيقة، قد تكون مفاجئة ومزعجة على غير التوقعات، وقد تؤكد العمل الجاد وتثبت الاقتراب من الفائدة المرجوة. أعتقد أن ما تم إعلانه قبل يومين بخصوص برنامج التحول ساعدنا على الوصول إلى قدر جيد من التفاصيل، التي تجعل “رؤية 2030” أكثر واقعية، لكنني متأكد من أن مزيدا من التفاصيل ما زال في الطريق، سواء كانت تحديثات على البرنامج المعلن، أو برامج وأدوات إضافية تدفع بتحقيق “الرؤية”، أو حتى نقدا موضوعيا بناءً لم يخرج بعد.
الإعلان عن أكثر من 370 مؤشرا للأداء وأكثر من 540 مبادرة يعني أن كمّا هائلا من التفاصيل في طريقه إلينا، من الخطط وحتى نتائج العمل على مبادرات هذا العام والأعوام التي تليه. سنجد ـــ بإذن الله ـــ ما يستحق التصفيق، وسيحصل كما هو متوقع، ما يستوجب التصحيح، المهم أن تكون الاستجابة سريعة بالاعتماد على الممكنات التي تم تجهيزها لتنفيذ البرنامج، وهي الشفافية ــــ وما يلحقها من مساءلة ـــ والمؤسساتية والدعم التخصصي.
يخلط البعض بين واجباته التفاؤلية وحقه في النقد، فيكيل من التشاؤم أثناء محاولته تفادي المبالغة في المديح. أنا أتفق مع من يرى أن مفهوم “الرؤية” وبرامج التحول المرحلية تقبل النقد بجميع صوره الموضوعية، ولكن طبعا هذا يجب ألا يفقدنا قدرتنا على التفاؤل والإيجابية. كل هذه البرامج مهما بلغت من إتقان مرتبطة بتقبل الناس لها وحماسهم لزيادة الإنتاجية والاندماج في العمل الإيجابي. التشاؤم أول العوائق الذاتية التي تكسر المجاديف، نحن لسنا بحاجة إلى ذلك، لكننا دائما بحاجة إلى مزيد من التفاصيل. كلما أتيح مزيد من التفاصيل استوعب الموضوع مزيدا من القدرة على التحسين، وهذا يعني النظر في الخطة وتفاصيل الخطة ومتابعة الأعمال والنتائج. أحيانا، قد تكون التفاصيل خداعة، جمعها بتحيز قد يجعل الصورة مشوهة ويصنع لنا حكما سلبيا. أرى أن النقد متاح، والمديح مسموح، والتفاؤل واجب. لكن يجب أن ننقد بعد أن نعرف ونمدح بعد أن نرى، بينما نتفاءل قبل ذلك كله.
كما رأينا في ورقة برنامج التحول، بدأ يتجسد العمل نحو تحقيق “الرؤية” بشكل منظومة مترابطة من الحوافز والأهداف والضوابط. وهذا هو المتوقع، فجزء كبير من التفاصيل يرجع إلى حوكمة العمل وضبطه، لفحصه ومتابعته، لدفعه وتفعيله كما تم التخطيط له. سرد الأهداف المعزولة عن الواقع لن يعمل في منظومات التحول، بينما ينقل حسن التصميم المتوافق مع طبيعة الوضع الراهن الأقوال إلى أفعال.
إذا كانت هناك سمة عامة لتأثير برنامج التحول في الأفراد والجهات فهي الإنتاجية، تحديدا رفع الإنتاجية وتحسين النتائج. وهذا ما نراه جليا في طبيعة المشاركات مع القطاع الخاص وفي أدوات رفع كفاءة القوى الوطنية العاملة في الجهات الحكومية وغيرها من المقبلين على سوق العمل. لذا يمثل العنصر البشري حجر الأساس في كل هذه التغييرات وهو فعلا ما يتم التركيز عليه. الالتزام الفردي برفع الإنتاجية أول أبعاد التفاصيل التي يجب أن نلم بها، فبرنامج التحول ليس عرضا نشاهده ونعلق عليه، إنما عمل مشترك من الجميع، لكل واحد منا فيه حقيبة مهام في غاية الأهمية.
يجب علينا كذلك التفريق بين نقد الخطة والتصميم ــــ وكل العلاقات الموجودة داخل البرنامج ـــ ونقد التنفيذ والنتائج. عندما يبدأ العمل لا تنفع عبارات مثل “ماذا لو”، فالرأي قبل الإبحار يختلف تماما عن الرأي في حالة الإبحار. لم تخرج خطة برنامج التحول بهذا القدر من التفاصيل إلا لتفعيل المساءلة العامة، إضافة إلى آليات الحوكمة الأخرى الموجودة في إطار البرنامج. ولهذا، يجب علينا أن نحسن استغلال التفاصيل، ونفهمها جيدا، ونعي على الأقل الجوانب التي تمس أداءنا ومسؤولياتنا تجاه التنمية، فالسر دائما في التفاصيل.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال