الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أكاديمي متخصص في المحاسبة
Yasseralnaf@gmail.com
توفي محمد علي كلاي رحمه الله تعالى بداية الشهر الحالي وما كان لرحيل مثل هذه الشخصية ان يمر دون ان نحاول ان نعاود تلقي تلك الرسائل الهامة التي ارسلها مع كل لكمة وفي كل كلمة او سجعة كان يتفوه بها. هو “يطير ويرقص كالفراشة ويلسع كالنحلة”، محمد علي كلاي هو” الملاكم الأعظم لكل العصور” كما اعلنها منذ بدأت يداه الضرب في حلبة الملاكمة. لست من عشاق الملاكمة ولا من محبيها وقد تكون انت كذلك ولكننا قطعا لابد و أن نقف على أعتاب شخصية محمد علي كلاي الفذة.
هل يجب علينا هنا ان نتحدث عن ملاكم او رياضي او داعية او قائد او ملهم؟ لا بل يجب علينا هنا ان لا نختار وانما ان نتكلم عن كل ذلك، فكل ذلك كان محمد علي كلاي. لست هنا لسرد تاريخه ولا لسبر أغوار سيرته ولا ايضا لمناقشة قضاياه وانما نحن هنا نحاول استلهام الكثير من محمد علي فنحن كعادتنا لا نلتفت للاستفادة من المتميزين ونكرمهم الا بعد أن يرحلوا او يتقاعدوا او ينتقلوا او حتى يمرضوا.
محمد علي كلاي لم يكن شجاعا وواثقا بنفسه فقط لأنه كان يتحدث بغرور احيانا او يلاكم بقوة وشراسة، بل لأنه اختار الطريق الأصعب فهو نظر إلى الملاكمة و الرياضة عموما على أنها وسيلة من خلالها يرسل الرسائل السامية التي اراد ايصالها. تجد ثقته وشجاعته حين تسمع عباراته التحفيزية حين ترى تضحياته العظيمة التي تجبرنا على طرح التساؤل عن ما اذا كان احدٌ ما من مشاهيرنا اليوم لديه التضحية والشجاعة ليُقدِم على قرارات كتلك التي اتخذها محمد علي، ففي أوج عطاءاته ونجاحاته اختار الانتقال من دين إلى دين أخر ولم يبقي ذلك الأمر سرا بل أعلنه وغير أسمه وأيضا كان يصر على مناداته فقط بمحمد علي كلاي ويغضب حين يدعوه أحد بأسمه السابق لأنه كان يعتقد ان ذلك عدم احترام لقراراته وخياراته التي صنعها وعد احترام أسمه الجديد احتراما لإيمانه ومعتقده، وفي قمة انتصاراته تبنى قضية تحرير بني جلدته من سطوة العنصرية القذرة رغم ان ذلك قد يكلفه مصدر رزقه الوحيد وهو ما حدث حين تم نفيه وايضا سحب البطولة منه لتوجهاته التي جاوزت فكرة الرياضة او الملاكمة الى ما هو اعمق وأسمى.
محمد علي كلاي لم يكن سياسيا يرجوا المنصب القيادي والرئاسة بل كان قائدا في لباس ملاكم فهو يعشق الملاكمة فلم تصده عزيمته العالية ورغباته التي جاوزت الرياضة عن مواصلة التدريب والتطوير لقدراته في الملاكمة فقد كان تميزه داخل الحلبة امر لا يقبل الجدال ولكنه اختار ان لا يبقى اسيرا للحلبة وانما هو أوجد لنفسه القيمة الذاتية العليا بأهدافه العالية. فمحمد علي كلاي كانت رسالته بسيطة فقط يريد حياة كريمة لبني جلدته يحصلون فيها على كامل الحقوق دون تمييز عنصري بغيض، كان يريد أن يدخل الى المطعم دون ان يطرد ويقول له النادل هذا ليس مخصصا لذوي البشرة السمراء!! كان يرى في الحروب الهدم والدمار لذا لم يكن يدعوا الى اي تصرف همجي او عشوائي بل كان دوما يرسل رسائلة الواضحة والصريحة دون اي عنف.
محمد علي كلاي كان داعية إلى الاسلام فعلا حين تستمع الى عباراته و كلماته والحِكَم التي يطلقها في لقاءاته تجده حريص على ابراز فخره واعتزازه بإعتناق الاسلام واهمية الايمان لحياته الرياضية الناجحة، هذه الرسالة غاية في الأهمية للرياضي والمعلم و الممثل واصحاب المهن الاخرى جميعا، بأن المهنة لا تمنع الانسان من ان يكون شموليا وساميا في اهدافه و آماله وأن لا يسمح لنفسه ان تكون اداة تستخدم يمنة ويسرة. ففي مراسم العزاء ايضا كان مصرا وهو قد فارق الحياة ان يرسل الرسالة من جديد فكانت مراسم اسلامية شاهدها جميع المهتمين حول العالم وكان الجميع متواجد وقت تشييع جثمانه وتكبيرات المصلين ودعواتهم كانت تحفه.
محمد علي كلاي كان ملهما لبني جلدته الذين كانوا تحت وطأة العنف والتخلف العنصري البذيء، كان يقول انا لا اريد ان اكون كما البهائم ينظر الي “اصحاب البشرة البيضاء” كأداة للاستمتاع فقط، لذا قيمة ذاته العليا لم تجعله يقبل الذل و الهوان فاستمر منددا ومناهضا لتلك الأمراض العنصرية البغيضة.
محمد علي كلاي له مقولات تحفيزية تشعل الجليد فهو يقول مثلا لأنه “لا يطيق ألم الخسارة ” كانت انتصاراته كثيرة وخسائرة معدودة (وذلك ليس لانه فقط ملاكم متميز وموهوب بل لأنه كان يسعى على نفسه بالتدريب و يملأ جسده بالثقة والاصرار وعدم الرغبة في الخسارة). محمد علي كلاي استقبله الملوك ورحب به اصحاب المناصب العليا في مختلف بلاد العالم ليس لأنه الملاكم الفذ بل لأنه كان اكثر من ذلك.
يبدوا لي أن محمد علي كلاي بشخصيته المتميزة استطاع ان يصنع مثالا حيا لما قصده المتنبي في البيت الشعري الشهير:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم،، وتأتي على قدر الكرام المكارم
فمحمد علي كلاي وضع اهدافا عليا، كافح لتحقيقها، ضحى من أجلها، رتب أولياته جيدا، أهتم بمحيطه وبيئتة بفعالية، اتخذ قراراته بمسئولية، أعلن رسائلة بصراحة، زاده الايمان توهجا، حصنه اعتزازه بنفسه من حملات التثبيط والهدم، أسس نموذجا حيا لمعنى “أحترم نفسك يحترمك الآخرون”، ضرب مثالا يحتذا به لكل من بعده، الذكرى الحسنة والمسيرة التي لا تنسى كانت هدفا واضحا وصارخا يظهر بوضوح في قوله المعتاد ” انا الملاكم الاعظم لكل العصور”.
واليوم هل طبيبنا يحمل أهدافا عليا سامية تتجاوز المكسب المادي، هل محامينا واقتصادينا و مفتينا و عالمنا واعلامينا ولاعبنا… الخ لديهم مثل تلك الهمة والعزيمة التي تصنع المستحيل و تكسر كل العراقيل. محمد علي كلاي حلبة الملاكمة تملأ جيبه بالملايين من الدولارات، ضحى بذلك لمبادئة لقيمه التي اعلنها لكل تابعية، فعلا هو قائد وضع نفسه نموذجا محاطا بقيم ومبادئ راسخة ارادها ان تضل راسخة بتضحياته و تحمله للمسئولية.
اتمنى ان يكون لدينا أكثر من محمد علي كلاي، فمحمد ليس عالما راسخا بل هو ملاكم رياضي ابت نفسه ان تقف امام تلك الحدود فجاوزها ليناطح بتاريخه تاريخ الكثير من الشخصيات المؤثرة على جميع الاصعدة. أعلم جيدا أن صناعة تاريخا وأسما خالدا كمحمد علي كلاي يحتاج الى وعي بعظم حجم التحديات والصعوبات التي واجهها ووعي ايضا بخطورة القرارات التي اتخذها لذا ليس كل أحد يستطيع ان يكون محمد علي كلاي لكن على الجميع ان يستلهم ما يستطيع من مثل هذه الشخصيات الملهمة.
خاتمة: يقول محمد علي كلاي في أحد مذكراته: ” أدركت أنه عندما يهزم اللاعب، فإن الهزيمة تتخطاه إلى اؤلئك الذين يثقون به ويلتفون حوله ويحبونه، فكنت حين أقبل المباراة واخوضها أرضى بالنتائج مهما كانت ولكنني عندما أهزم كان علي أن اتقبل الهزيمة وابقى قويا مهما كانت محقرة ومثيرة” .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال