الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
وفقاً لوحدة التحول الرقمي بالمملكة فإن “المجتمع الرقمي” هو أحد الطرق إلى “المجتمع الحيوي” أحد أعمدة رؤية 2030 وهنا أبرز أهدافه:
أولا: تحسين جودة حياة المواطنين من خلال الخدمات الرقمية المتطورة
ثانيا: رفع وعي المواطنين بالخدمات الرقمية و بفوائد استعمالها
ثالثا: الانتقال من الاستهلاك الى الإنتاج في المجالات الرقمية
ومنذ انطلاق وحدة التحول الرقمي في 2017، فقد قطع اقتصاد المملكة شوطا كبيرا في التحول الرقمي وبات من أبرز اقتصادات العالم في هذا المجال.
فيما يتعلق بالتقنية لدينا ثلاث فئات عمرية أساسية: فئة أصغر من 20 عاما ولدت ونشأت مع بداية الرقمنة وهي الفئة الأساسية في التحول إلى مجتمع رقمي. فئة بين 25 إلى 55 وأغلبها اعتنق التقنية وأجاد استخدامها بنسب متفاوتة. فئة فوق 60 والتي وجدت نفسها مضطرة للتعامل مع وجه جديد للحياة.
وهذه الفئة هي أساسية في كل مجتمع وكسعوديين نكن لها احتراما وتقديرا عميقا في ثقافتنا وأدبياتنا. والفكرة من المقال هي رفع الوعي بالتحديات التي تواجه كبار السن في زمن الرقمنة.
وفقا لتقرير الهيئة العامة للإحصاء لعام 2020 فإن الفئة العمرية من 60 عاما وفوق يشكلون 5.5% من إجمالي سكان المملكة
وتعتبر هذه الفئة من أبرز الفئات الاستهلاكية للسلع والخدمات في مختلف القطاعات مثل الصحة والعقار والسياحة والسيارات والمنتجات الفاخرة.
نظرة تاريخية
أود أن نتذكر أو نتخيل كيف كانت التعاملات المالية لفئة كبار السن قبل التحول الرقمي.
-الفواتير الورقية للجوال والكهرباء والماء ترسل مع السائق إلى البنك
-المعاملات البنكية (تحويل، ايداع، شيكات) مع موظف حضوريا
-استلام البطاقة أو كشف الحساب يدويا من الفرع
هذه مشاهد في جانب المال والمدفوعات فقط. بعد هذا جاءت مستجدات مصرفية آلية (غير رقمية) مثل الهاتف المصرفي والذي نجح في تقليل الذهاب إلى البنك لأصغر التعاملات واستمرت تلك الحقبة حتى اليوم لكنها باتت في انحسار، ثم جاءت المصرفية “اونلاين” على موقع البنك والتي بدأت بخدمات بسيطة منذ أوائل الألفية واليوم أصبحت أقرب إلى بوابة تعريفية فقط. ثم دخل الموبايل إلى الساحة وبدأ عصر التطبيقات البنكية ثم خدمات التحويل والمدفوعات الأخرى مثل STC Pay و Ur Pay وتطبيقات الدفع بالتقسيط.
وهذا كله في أقل من عقدين من الزمان.
بالطبع لم يكن هذا كله متاحا بدون البنية الهيكلية للاتصالات فكان التقدم في خدمات الانترنت المنزلي (مودم ثم البرودباند والواي فاي ثم الألياف البصرية السريعة). وبعدها تحولت كل أنشطة الاتصال والمرئيات والترفيه إلى الشاشة المحمولة وباشتراكات شهرية (مرتبطة ببطاقات الإئتمان) وصار المحتوى يمنح خيارات كثيرة تزامنت مع انتشار الأجهزة اللوحية وشاشات الجوال الذكية.
الواقع اليوم
لكن استخدام وإدارة كل هذه الخدمات يتطلب إسم الدخول وكلمة السر.
حفظ اسم الدخول وكلمة السر، تكتب في دفتر؟ تخزن في الجوال؟
كم اسم دخول وكلمة سر نحتاج لإتمام الاحتياجات والخدمات؟
ما هو كود التفعيل؟
ما هي طبقات الحماية المطلوبة لحماية الحساب؟
ما الفرق بين كلمة السر واسم المستخدم؟
لماذا نحمل التطبيق؟ نحن “ياللا تعلمنا ندخل الموقع”؟
فئة الكبار عمريا أصبحوا يشعرون بحاجة ملحة لتعلم أشياء جديدة والاندماج فيها بسرعة.
كلكم تعرفون كيف يتساءلون عن إجراء معاملة أو إتمام تحويل أو الدخول إلى حساب، وكثير من الخيارات تتطلب الضغط على شاشة المفاتيح keypad on screen ولو كنا نساعدهم بالتعليمات في مكالمة يتوجب الضغط على السبيكر أولا ثم يرجع إلى شاشة المفاتيح وهكذا.
تفاصيل كثيرة وربما محبطة لجيل عاش أغلب حياته بالورقة والقلم وفجأة مطلوب منه تعلم شاشة وأيقونة وكلمة سر وحماية بيانات.
هل تعلم أن الكبير يضعف بصره تدريجيا فيصبح النظر إلى الشاشة مجهداً وينفره من إطالة النظر إليها؟
هل تعلم أن الكبير يضعف سمعه تدريجيا فالانتباه للمؤثرات الصوتية والسمعية أضعف سواء رنّة الموبايل أو الرسالة أو الواتساب؟
هل تعلم أن الكبير تضعف ذاكرته وبالتالي لا يمكنه تذكر التفاصيل بدقة وكل الرقميات العصرية مبنية على تفاصيل؟
هل تعلم أن الكبير قدرته على التركيز تتراجع فيصبح من الصعب عليه استيعاب كل المدخلات والأسس الرقمية؟
هل تعلم أن الكبير قد تتلاشى البصمة من أصابعه تدريجيا وبالتالي فهو يعتمد على كلمة السر أو البيانات البيومترية (صورة الوجه) لتوثيق الدخول؟
الحماية الرقمية في المصارف
وفي إطار المصارف فمن المهم التطرق لموضوع مقلق: المخاطر السيبرانية المالية. عالميا تحدث هجمات مصرفية جماعية من عصابات منظمة، وغالبا ما تستهدف العملاء الذين يملكون أرصدة كافية وخصيصا كبار السن (مع العلم بأن كثير من الرسائل وصلتني لحالات من فئة الشباب ومنتصف العمر) ومع الأسف كثير من الهجمات تشاركت في بعض السمات منها معرفة اسم صاحب الحساب وبياناته الشخصية مثل رقم الهوية والحساب وفي بعض الحالات الرصيد المتوفر في الحساب. طبعا هذا التطور في أساليب الاحتيال يصعب تمييزه من قبل الضحايا، فنجد العميل يتفاجأ بالاتصال وقد يرتبك أو يدلي بمعلومات خاصة فيقع في الفخ.
ووفقا للوكالة الأوروبية للأمن السيبراني فإن 85% من حالات اختراق البيانات تشمل عنصراً بشرياً ومن أشكالها الإيقاع بالأشخاص هاتفياً وكذلك الأخطاء البشرية (من الموظف نفسه).
وسواء كان الخلل في تسريب البيانات أو اختراق الحسابات، إلا أن وضع اللوم كاملا على العميل دون مراعاة لمستوى الفهم أو الاستيعاب أو الذاكرة يعتبر ظلما له لأن طرق وأساليب الاحتيال في تطور متزامن مع التقنية والوعي العام.
مسؤولية من؟
حاليا عبء التثقيف والتعلم الرقمي يقع على عاتق الأبناء أو الأقارب أو الأصدقاء “المثقفين رقميا” لكن ماذا لو لم يكن عند الشايب أبناء أو في أثناء الحاجة لا يوجد من يساعده؟
الفيديوهات التعليمية موجودة في يوتيوب لكن كيف يبحث عنها كبار السن اللي استخدامهم للموبايل محصور في رسائل الواتساب؟ ماذا يكتبون؟
الرسائل النصية التي تصل من البنوك غير كافية. لماذا؟
لأن الرسائل الدعائية كثرت وأصبحت غير فعالة في إيصال الفكرة
ورغم أن اقتصادنا سبّاق في التحول الرقمي مما سهل حياتنا، لكن المجتمع به فئات عديدة، ووجود عدة أجيال داخل المنزل الواحد لا يعني الاندماج التلقائي. الحفيد يظل منشغلا أمام الشاشة بينما الجد والجدة ينظرون بذهول لهذا التحول وقد يشعرون بالمزيد من العزلة والوحدة.
أدعو كل ابن وابنة أن يقيم جلسات تعليمية لكبار السن في أسرته عن الرقمنة والمصرفية الرقمية وأساسيات اليوزر والباسورد والحفاظ على البيانات الشخصية.
أما في البنوك وأماكن الخدمات فأدعو لبذل جهودًا تعليمية للمراجعين واستغلال فترة الانتظار في التعليم والتوعية بعرض فيديوهات في صالات الانتظار أو تخصيص موظف للمساعدة وشرح عملية الدخول إلى الحساب أو تحميل التطبيق واستخدامه.
كذلك أدعو الجهات الرسمية لتصميم الأفكار التوعوية بشكل ذكي وموجه لكل شريحة عمرية حسب مستواها. والله الموفق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال