الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
fahadalthenyan@
عضو معتمد لدى معهد المحاسبين الإداريين الأمريكي
الحديث عن ضخامة الحوالات المالية الخارجية للعمالة الأجنبية حديث ذو شجون يجر وراءه شؤون عدة؛ فالأمر لا يتعلق بمجرد الأثر المباشر على الاقتصادي السعودي من حيث هجرة السيولة وحسب. إن أردنا مناقشة الحوالات المالية فعلينا طرح مواضيع مثل هيكلة سوق العمل لدينا ونظام الاستثمار الأجنبي وقوانين الهجرة والتجنيس والتوطين ودور القطاع الخاص وربما غيرها مما لا يحضرني الآن. إن أردنا تقييم الوضع فعلينا تقييم حجم المشكلة وإن كانت مشكلة أم فرصة وإن كانت مشكلة لها فوائد أم هي مشكلة صنعناها وباتت ككرة الثلج كل يوم تكبر فنلزم السكوت بحثاً عن راحة أدمغتنا. ولذا أدعوكم للقيام ببعض العصف الذهني في السطور التالية:
أولاً: إذا نظرنا إلى دول رائدة ومتقدمة في الحاضر والتاريخ لم تصل إلى ما وصلت إليه لولا أنها أزالت عوائق الهجرة والتوطين وجعلت منها أداة تدعم تعزز هيكلة المجتمع ونموه: فكان المعيار ما يضيفه أو يقدمه الفرد أو سمه العضو لمجتمعه وليس من هو ومن أين أتى. ورواد العلم والصناعة في الولايات المتحدة كانوا في الغالب مهاجرين. كما أن هناك من الدراسات ما تم نشره حول فوائد الهجرة وما أضافته “اقتصاديا” خاصة للغرب في ضوء الجدل القائم في الأوساط ما بين مرحب بالمهاجرين ورافض لهم قطعياً. نشر منتدى الاقتصاد العالمي World Economic Forum في بداية العام 2016م نتائج دراسة في مقالة عنوانها: “كيف غيرت الهجرة العالم للأفضل؟” بينت أن منافع الهجرة أكبر من مضارها وأنه لو تم إزالة جميع الحدود بين الدول فإن العوائد يمكن أن تصل ما يقارب 39 تريليون دولار للاقتصاد العالمي أجمع.
ثانياً: أحد مضار الهجرة هي نتيجة لفئة المهاجرين ذاتها والتي تكون عادة عمالة تؤدي أعمال بسيطة لا نحتاج من يقوم بها لنا لولا الطفرة التي مرت بها المملكة وأصبحنا أكثر اتكالية على هذه العمالة التي تستهلك القليل داخلياً وتحول الكثير لموطنها الأصلي. فمن يصدق أننا أحفاد وأبناء أجيال كانت تحرث الأرض وتصنع طعامها وتبني بيوتها بأيديها وتسافر مشياً طلباً للرزق، ولكننا في أبسط الأعمال كتغيير “لمبة” نقود مركباتنا مستهلكين الوقت والوقود لإحضار هذا العامل الأجنبي المهم جداً لآداء هذه العملية المعقدة جداً بأن يستئصل القطعة القديمة من إطارها ويزرع القطعة الجديدة مكانها؟! ثم نأخذ هذا الشخص ال VIP مرةً أخرى لمحله في انتظار محتاج آخر لخدمة تغيير “هوز” يسبب تسريب المياه.
لا أفهم التردد في تجنيس كفاءات علمية ومهنية تمضي سنيناً وعقوداً في المملكة تضيف لجامعاتنا وشركاتنا فلا نحن من أعطاهم الجنسية للحفاظ على ما يمتلكونه من مقدرات علمية ولا نحن سهلنا قوانين التملك والاستثمار لهذه الفئة من الأجانب والتي يمكن وصفها بأنها ذات جودة عالية وقيمة مضافة حقيقية لمجتمعنا واقتصادنا خاصة وأن أكثر ممن نقابلهم ضمن هذه الفئة هم من المسلمين ممن يحملون القيم وذوي الأخلاق العالية والذين يتبعون تعاليم الدين ويطبقونها بصورة ممتازة بحكم إلزامية الانتماء للدين الإسلامي للمواطن السعودي.
ثالثاً: إذا اتفقنا في حصر ضرر العمالة الأجنبية في الفئة التي لا تقدم إضافة من حيث الأعمال التي تؤديها أو من حيث إبقاء جزء من مدخراتها داخلياً لانعدام حافز الادخار والاستثمار محلياً أو لأسباب أخرى؛ علينا أن نتفق أنها ليست مسؤولية وزارة بعينها سواء وزارة العمل أو غيرها؛ بل هي مسؤولية جماعية تشمل وزارة التجارة والصناعة كذلك لما للقطاع الخاص المندرج تحتها من دور في تفاقم المشكلة وهي مشكلة وزارة التعليم والجامعات والمؤسسات التعليمية على مر السنوات لعدم تأهيلها المواطن لسد الحاجات وهي مسؤوليتنا كمجتمع انتهج سلوكيات اتكالية قبلت بتطور هذه القضية وانتفض عندما أصبح الكثير من أبنائنا بلا عمل.
إن أردنا حلاً لقضية الحوالات المالية الضخمة للعمالة فنحن ننظر إلى المشكلة الظاهرية أو العارضة لنا بينما المشكلة الجذرية هي هيكلة سوق العمل والتي تتطلب حلول حقيقية قد لا تؤتي نتاجها سريعاً لأن حجم العمالة كبير جداً ومن الظلم والحلم أن نرى تغيراً بين ليلة وضحاها. أضف إلى ذلك؛ بينما تتطور عملية إحلال المواطن وهي الهدف الأكبر والأسمى نحتاج لأدوات تقلل الضرر الاقتصادي الناتج من هذه الحوالات والتي من أنجعها إيجاد الحوافز لهذا العامل الأجنبي ما يشجعه على إبقاء مدخراته محلياً سواء بفتح المجال لهم لفتح الحسابات البنكية الإدخارية والمشاركة والتعامل في أسواق المال وفي نفس التوقيت يلزم فرض الضرائب على المبالغ المحولة بما يجبره على إدخارها وتنميتها محلياً.
كثيراً ما نجد أنفسنا ندور حول نقطة معينة ولكنها ليست لب القضية ونضع الحلول المكلفة لأنها سرعان ما تثبت عدم جدواها ولأنها لا تحل المشكلة من جذورها؛ بل هي هدر للوقت والموارد، وبالتالي نعود للمربع الأول متسائلين لماذا يستمر تفاقم الأمور والأسهل هو إلقاء اللائمة في كل صوب في مجتمع تنتشر فيه ثقافة اللوم للآخر “زي السلام عليكم”.
قالوا: فهم السؤال نصف الحل.. وقالوا: التشخيص الخاطئ لا يأتي بالعلاج الناجع؛ بل يأتي بعواقب وخيمة..
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال