الابتكار والتحلية في الفضاء

أكبر تحدي يواجه البشر في القرن المقبل هو توفير المياه. حتى أوروبا التي تتكئ على جبال الجليد، وتجري الأنهار فيها كالعروق في الجسم، ثارت ثائرتها من درجات حرارة لم تتجاوز الأربعين، وجفت بعض مجاري الأنهار والمصبات. إن كان الحال كذلك لمن هم (على نهرٍ جار) فما هو مستقبل شعوب الصحاري الجرداء؟ 

في المملكة العربية السعودية تم استيعاب هذه المخاوف مبكرا، وعملت الدولة على تحويل (تحدي/خطر) المياه إلى فرصة نمو هائلة. التحلية كانت فرس الرهان، والخيار الأمثل، والفرس الأصيل لسباق التقدم والازدهار. 

منذ أن أنشئت (الكنداسة) في جدة، وهي آلة تعمل بالفحم الحجري لتقطير بخار الماء انتشلت من إحدى السفن المتحطمة ونصبت على شاطئ جدة، عام 1907م، إلى تقنيات التناضح العكسي، ومخرجات الابتكار والذكاء الاصطناعي، والمملكة تسجل سبقا عالميا في هذا المجال، وتقدم الدروس والخبرات للعالم. 

حولت هذا التحدي إلى فرصة تنموية ضخمة ذراعها (قطاع تحلية المياه المالحة)، ومن خلاله تم توطين التقنيات، وتحفيز الابتكار، وإيجاد مزيد من فرص العمل لأبناء وبنات الوطن، وإثراء العالم بالعديد من الحلول للحصول على المياه.

واجهت التحلية كل الظروف الاقتصادية والتنموية والمالية، ولم نسمع يوما أن مدينة سعودية اشتكت من توقف تدفق المياه. إضافة إلى ذلك، تسجل التحلية يوميا منجزات هائلة. واليوم جاء إطلاق رؤية المملكة 2030، بقيادة عرابها الكبير سمو ولي العهد، ليأخذ قطاع التحلية في المملكة إلى آفاق أكبر، ويحفز منجزاتها الهائلة ويضعها في إطارها الصحيح بحيث تتكامل مع كافة قطاعات الاقتصاد الأخرى، سواء من ناحية رفع كفاءة استهلاك الطاقة، أو تطبيق أعلى معايير البيئة، ونظم الأمن والسلامة في المنشآت الضخمة. 

ولعل من أبرز مفاخر مؤسسة التحلية الزيارة التاريخية لسمو ولي العهد في 2018 التي شكر خلالها المؤسسة على ما حققه أبناء الوطن العاملون في محطات تحلية المياه بالمملكة من زيادة في الإنتاج من 3.5 مليون متر مكعب إلى 5 مليون متر مكعب دون زيادة في التكاليف.

وخلال الفترة من 11 إلى 13 سبتمبر 2022م، يعقد مؤتمر مستقبل التحلية الذي في الرياض، وحسب المتاح فإن شعار هذا المؤتمر سيكون (التحلية في الفضاء)، وهو عنوان مثير، وطموح عال، وإشارة مهمة إلى أهمية الابتكار والذهاب إلى حلول (خارج الصندوق) ولو كانت في الفضاء. كل ذلك يجعلنا ننتظر بشغف ما يقدمه شباب وشابات السعودية لنهضة ونمو وازدهار العالم.