الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
طرأت خلال الفترة القصيرة الماضية متغيرات اقتصادية جوهرية انعكست على معظم الأفراد والأسر. على قمة ما يتم الحديث عنه اليوم تبعات الانخفاض في مستويات الدخل على القروض واحتمالات التعثر وإعادة الجدولة. يضاف إلى ذلك الانخفاض الحاد في ارتياد المطاعم وأماكن الترفيه ــــ يقدره بعض أصحاب الأعمال بنسبة 50 في المائة على الرغم من أن انخفاض مستوى الدخل لم يقترب من هذا الرقم ـــ وما تجده متاجر المنتجات الكمالية والفاخرة من مصاعب في تحقيق أهدافها السنوية. يشتكي مقدمو الخدمات في مختلف القطاعات كذلك من تغييرات غير مسبوقة في السلوكيات الشرائية إضافة إلى ضبابية اقتصادية حجّمت من المشاريع التوسعية المقبلة وجعلت الجهود تتركز على تعويض الخسائر والحصص السوقية المفقودة. بغض النظر عن التوصيف الاقتصادي الأمثل لهذه المرحلة، أعتقد أن المواطن يمر حاليا بمرحلة مخاض سلوكي استثنائي في الجوانب الاستهلاكية والمالية وربما الاجتماعية كذلك.
ليس غريبا علينا أن تتغير عاداتنا وسلوكياتنا في فترات قصيرة نسبيا. فالمتغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي حصلت في المنطقة كانت كفيلة بأن تصنع أكثر من مرحلة من مراحل التغيير السلوكي الجذري، وهذا واضح لمن يقارن التصرفات والعادات قبل وبعد الطفرات الاقتصادية. أعتقد أن هذه المخاضات السلوكية تستحق التوقف لأكثر من سبب. أولا، تعتبر كنزا لا يقدر بثمن نستطيع بعد دراسته معرفة أنفسنا بشكل أفضل، وهذا يعني فهما جيدا للمسببات والمحفزات التي تقود التغيير ومن ثم توجيه الحلول الجديدة والمبتكرة بشكل أفضل وأكثر نفعا. ثانيا، لا تحدث هذه التغييرات بشكل عشوائي إلا أن تركها بلا متابعة ومسؤولية يجعلها فوضوية وخطيرة، لا بد من فهمها وتوجيهها بما يتفق مع المصلحة العامة. ثالثا، تتسم إدارة التغيير بالتكلفة الكبيرة والتحديات المتعددة، لذلك، تعد أفضل فرص التغيير تلك التي يمكن مواءمتها مع تغييرات أخرى قائمة. لا أحد يريد أن يعيش الصدمة نفسها أكثر من مرة، ومن الذكاء أن نحاول صيد أكبر عدد من العصافير بأقل عدد من الأحجار.
قام أحد أكبر متاجر التجزئة قبل عدة أيام بحملة تخفيضات استثنائية أثارت آراء الناس، منهم من اتهم المتجر بالخداع بتخفيضات ليست حقيقية، وآخر اتهم المستهلكين بالحماس وتغليب الجهل على الوعي عند الشراء. لا أعتقد أن حدثا مثل هذا يمكن تعميمه على الواقع السلوكي للممارسات الاستهلاكية والمالية، ولكن يظل المستهلك المندفع في حاجة إلى المساعدة قبل اللوم. الهدف الأسمى الذي يجب أن نسعى له هو أن تكون هذه الفئة أقلية غير مؤثرة لا أن تكون السمة الغالبة.
يذكر بعض المحللين الاقتصاديين أن المتغيرات الاقتصادية قد تتحول إلى علاج بالصدمة يسرع من حل المشكلات الاقتصادية والسلوكية على مستوى الأفراد والمنشآت. لو تركنا الآثار السلوكية المفترضة تحصل بلا توجيه أو تحفيز ذكي، أعتقد أنها ستنعكس على ثلاث فئات بطرق مختلفة. في الفئة الأولى نجد من يتعلم من الصدمة بطريقة مباشرة ويراجع طرق التفكير والممارسات المالية والاستهلاكية ويتأقلم سريعا وبنجاح، هذه الفئة ستكون محدودة عدديا وعلى الأرجح تعمل أو عملت في أماكن ذات مهنية عالية. الفئة الثانية ستتعلم بعد وقت طويل وستعاني أثناء الصدمة، ستضطر إلى تغيير بعض الممارسات الاستهلاكية ولكن بعد فوات الفرص وتكبد الخسائر، خسائر تستمر آثارها لفترات طويلة جدا. الفئة الثالثة لن تتعلم، وربما ترديها الصدمة في أهوال نفسية واجتماعية ضيقة المخارج، تنتهي بضعف شديد في الإنتاجية والأداء والسلوك.
السؤال الذي يطرح نفسه: ما الجهة التي تراعي هذه الفئات وتهتم باستغلال فرص التغيير المتاحة للمصلحة العامة؟ أو على الأقل، تعمل على الحد من أعداد المتأثرين سلبا. بصراحة، أعتقد أنه لا يوجد من يقوم بهذا الدور، واحتمال حدوث خسائر كبيرة على المستوى الوطني بسبب غياب هذا النوع من الجهود أو تشتتها كبير جدا. رأينا أخيرا نشاطا تطوعيا جيدا في مجال التثقيف المالي، سواء من قبل أفراد سخروا قدراتهم أو شركات تقوم بذلك ضمن برامج المسؤولية الاجتماعية. لكن كل الأدوار التي يقوم بها المتطوعون والمهتمون وكذلك جمعية حماية المستهلك أو حتى وزارات التجارة والمالية والتعليم في هذا الخصوص، هي أدوار محدودة وتتعامل مع هذه التغييرات من جوانب خاصة برؤيتها وأهدافها إذ لا تبرز لديها، على سبيل المثال، مسؤولية الإدارة أو التأثير في التغير السلوكي في العادات الاستهلاكية والمالية. أتمنى أن أرى ولادة جهة رشيقة تعمل على وجه السرعة بالتنسيق بين كل هذه الأطراف وتقوم بسد الفراغ واستغلال الفرص التي لن تتاح كل يوم.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال