نتائج عكسية للتغيير في المدن

مدينة ليفربول كانت قد أطلقت قبل أسابيع قليلة مبادرة تبرز فيها شكل الحياة في المدينة في حال الاستغناء عن المركبات لمدة يوم واحد فقط بأحد أبرز الطرق الشريانية التي تربط معالم المدينة. كان من بين الأهداف أيضا نشر الوعي بين الجميع بتأثير ذلك القرار على خفض الانبعاثات الكربونية في المدينة. بالتأكيد لا يبدو هذا الأمر غريبا، وهو التوجه الذي نلحظ الاهتمام المتزايد به من قبل مسؤولي الكثير من المدن، سعيا لتحسين البيئة العامة. فازدحام الطرقات بالمركبات أمر بات مشهد طبيعي لدى الكثير من السكان حتى أن إقناعهم بالأثر الإيجابي لتجربة من هذا النوع هو أمر بحاجة لجهد.

ومع ذلك فإن النتيجة المحققة لم تكن كما خطط لها، ولم يتحقق المأمول من هذا الجهد، مع دخول عوامل بيئية لم تكن في الحسبان. بدأت المبادرة بإعادة توجيه المركبات لتأخذ مسار جديد تبتعد فيه عن الطريق الرئيسي وأخذ مسارات فرعية بديلة يمكن من خلالها تحقيق الغرض. استمر الأمر لمدة ساعة بشكل جيد، ولكن ما لم يكن في الحسبان كان سوء الأحوال الجوية والأمطار التي بدأت في الهطول فتضاعف الازدحام في الطرقات والانتظار لأوقات مضاعفة، مع عدم تنظيم واضح للتجربة وكانت النتيجة كميات مضاعفة من الانبعاثات الكربونية.

التجربة بحد ذاتها تستحق الكثير من التأمل والتفكير حين نتحدث عن النتائج العكسية للجهود المبذولة. إطلاق البرامج وتطبيقها بشكل مباشر دون عمل مصاحب على إدارة التغيير والسلوك المجتمعي، والتهيئة المصاحبة للتوعية هي أمر يدعم التقبل ويحد من درجات الممانعة، كما أنها تدرس وتأخذ بعين الاعتبار كل الاحتمالات الممكنة. وبالمناسبة طالما أننا نتحدث عن مبادرة مرتبطة بمواجهة التلوث في المدينة فلابد وأن نشير لأهمية تهيئة المكان، وكل ما تحويه تفاصيل المدينة من حيث التصميم حتى تكون محفزة على استخدام وسائل النقل البديلة، والسير على الأقدام. على الصعيد المحلي فقد شهدت المدن السعودية زيادة كبيرة في أعداد المركبات، وهنا نعلم أهمية توفير البيانات في اتخاذ السياسات والتدابير الخاصة بمراقبة جودة هواء المدن. كما أن الحد من ارتفاع معدلات الوفيات الناجمة عن الحوادث المرورية على الطرق أخذ اهتماما وفيرا من قبل المسؤولين، ولذلك فقد اعتمدت المملكة مجموعة من الاستراتيجيات الوطنية للسلامة على الطرق والتدابير والإجراءات شملت تشريعات صارمة. ما يسعى إليه الجميع اليوم هو أهمية أن تكون مرونة المدن ركيزة أساسية للتخطيط ومواجهة التحديات.

حتى بالنظر للجانب البيئي محليا تؤكد مبادرة الشرق الأوسط الأخضر على التزام المملكة العربية السعودية بجهود الاستدامة الدولية، وتسهم في زيادة قدرات المنطقة على حماية كوكب الأرض من خلال وضع خارطة طريق طموحة ذات معالم واضحة تعمل على تحقيق جميع المستهدفات العالمية.