3666 144 055
[email protected]
أُعلن يوم الخميس الماضي 22 ديسمبر الموازنة العامة للدولة ، في ظروف أقرب ما يمكن وصفها بأنها غير اعتيادية على الصعيد المحلي أو العالمي. و لا يعود ذلك لتقلب أسعار النفط فهذا نمط الاقتصاديات الريعية ،بل الاختلاف الرئيس هو في حجم التطلعاتالوطنية بدءً ببرنامج التحول و وصولاً الى رؤية 2030 .
تضمنت الرؤية الوطنية 178 هدفاً استراتيجياً لأكثر من 21 جهة حكومية وكان لزاماً أن تستوعب المالية العامة متطلبات الأهداف المرحلية وطبيعة الاصلاح الهيكلي الذي يمّر به الاقتصاد السعودي .و هذا ما جعل من موعد اعلان الموازنة أكثر أهمية ليس لمعرفة اجمالي الإنفاق أو الإيراد فقط ولكن للإجابة على السؤال المُلح كيف يمكن تمويل الموازنة في ظل ظروف ضاغطة؟
قُدرّت النفقات للسنة المالية2017 بـ 890 مليار ريال فيما كانت الإيرادات المتوقعة 692 أي أن الفجوة بين الجانبيين تحدد العجز عند 198 مليار ريال. ويأتي انخفاض الإيرادات نتيجة للارتباط التاريخي بين العائدات الحكومية ومستويات أسعار النفط، حيث تمثل الإيرادات النفطية 72% من اجمالي إيرادات الحكومة حسب احصاءات 2015، والذي يتضح أن هناك توجهات ديناميكية مختلفة للتعامل مع المالية العامة في كل من :
تركيبة النفقات والإيرادات، مستويات العجز واستراتيجيات الدين، ترتيب أولويات الانفاق ورفع الكفاءة، الشفافية.
كان أحد التطورات الهامة في جانب النفقات الجارية هو مراجعة هيكل وسياسات دعم الطاقة و التي تُمثّل ما يقارب 4 % من اجمالي الناتج المحلي حسب IMF ، والحقيقة أن هناك نمو متسارع في استهلاك الطاقة جزء منه مبرر ناتج من تحسن مستوى التنمية والزيادة السكانية والجزء الآخر غير مبرر ناشئ عن التسعير غير الاقتصادي الذي سمح بزيادة الهدر. وبالتالي فإن اعادة النظر في هذه السياسة لا يهدف إلى تحقيق وفر في هذا البند فقط بل يعتبر اداة اصلاح اقتصادي تهدف إلى تشكيل نمط جديد في سلوك القطاعات الاقتصادية وتوجيه الأنشطة الاقتصادية. فالدعم غير الموجه هو في النهاية دعم مكلف وغير عادل.
واستجابة للمستجدات، ولتمويل الأهداف المرحلية خصصت الموازنة لبرنامج التحول الوطني 2020م في موازنة 2017م مامقداره 42 مليار ريال. وبالمجمل فإن هناك تطور في نمو الإنفاق العام مقارنة بالعام الماضي 7.8 %. أما من جانب الإيرادات فهناك توجه لتوسيع قاعدة الإيرادات غيرالنفطية من مصادر متنوعة كرسوم مرافقة الوافدين وضريبة المنتجات الضارة وغيرها.
في 2016 شكلت الايرادات غير النفطية 37.6% من اجمالي ايراد الحكومة، وحسب تقديرات الموازنة يتوقع أن تصل هذه الإيرادات إلى 30.6% أي بزيادة 6.5% عن العام السابق.
أما فيما يتعلق بـ مستويات العجز يتوقع أن يبلغ العجز 198 مليار أي ما نسبته 7.7 % من الناتج المحلي بالأسعار الثابتة ويمكن اعتبار هذه النسبة مؤشر لإمكانية السيطرة على نمو معدلات العجز ومن ثم تراكم مستويات الدين مقارنة بالسنتين السابقتين. وكانت أحد الخطوات الهامة التي انتهجتها المالية العامة تحسباً لأي خلل هو تحديد سقف للدين العام عند مستوى 30% من اجمالي الناتج المحلي.
ووفق هذه المعطيات كان هناك اعادة لترتيب أولويات الإنفاق، تم التركيز على الاستثمارات التي تعزز التنمية الاقتصادية ، حيث زاد معدل نمو الانفاق لـ 3 قطاعات اقتصادية بنسب ملحوظة وهي قطاع الخدمات البلدية، قطاع الموارد الاقتصادية، قطاع التجهيزات الأساسية والنقل.
ومن المهم الإشارة هنا إلى تأكيد فلسفة المالية العامة على جانب رفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي وهذا بدوره سيؤدي إلى وفر مالي دون الإضرار بالنمو الاقتصادي.
إن تجربتنا التاريخية أثبتت أننا غير قادرين على احداث التأثير الكامل في العوامل المسببة لتقلبات أسعار النفط ولكننا يجب أن نكون قادرين على تخفيف أثر الأسعار على تمويل التنمية، وهذا التحدي هو من ساهم في تشكيل التوجهات الجديدة للمالية العامة.
وخلاصة القول، إن المالية العامة اليوم تواجه التزامات جديدة وأهداف كبرى وتحديات في الطريق، وما يهم هو السيطرة على نمو معدلات العجز بأقل آثار سلبية ممكنة على النمو الاقتصادي.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734