الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رابط الجزء الأول أضغط هنا :
ليس الطلب الحالي هو المسبب الاول لارتفاع معدلات التضخم حتى يُعالج برفع اسعار الفائدة هناك مسببات اخرى وفقاً لآراء خبراء الاقتصاد فمن في وجهة نظر ( الفيدرالي ) تأتي سياسته وفق معطيات مؤلمة تعتمد كثيراً على تقويض الاستهلاك حتى ولو كان ذلك على حساب النمو وارتفاع تكاليف الاجور وتكاليف التشغيل الأخرى ومعدلات البطالة مما يعمّق الهوة اكثر كما انه ليس عاجزا في ذات الوقت عن تصميم عدة خيارات للمفاضلة بينها وانما ينظر الى الأمر من زاويته في ظل عزمهم المؤكد على عدم تكرار اخطاء السبعينات ذلك انه عندما بدأ رئيس الاحتياطي الفيدرالي بول فولكر الملقب بـ ( قاهر التضخم ) تشديد السياسة النقدية والمالية في 1979 كان السياق الاقتصادي آنذاك مختلفاً وبشكل ملحوظ عما هو عليه اليوم حيث كان التضخم أعلى بكثير وكانت الاقتصادات المتقدمة مختلفة للغاية عما هو اليوم .
وبالنظر الى المراحل الزمنية الاقتصادية نجد ان مسببات التضخم تختلف كليا عما سبقها وذلك عطفاً على جائحة كورونا والاغلاق الكبير واشكالات سلاسل الامداد والأزمات الجيوسياسية فبعد الجائحة وعودة الأنشطة الاقتصادية ارتفعت الكميات المطلوبة ومعدلات الاستهلاك في حين قابلها عجز في الكميات المعروضة فارتفعت معه الرقم القياسي لأسعار المستهلك CPI
كشفت دراسة جديدة شاملة للبنك الدولي أن العالم قد يتجه نحو ركود اقتصادي في 2023 وسلسلة من الأزمات المالية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية ستُسبِّب لها ضرراً دائما ، وذلك مع قيام البنوك المركزية في أنحاء العالم بزيادات متزامنة لأسعار الفائدة لمكافحة التضخم ، وعلى الرغم من أهمية هذه الدراسة الا انه من المهم العمل مبكراً على تجنب ذلك بتحسين كفاءة الإنتاج وتقويض إشكالات سلاسل الامداد والمواد الخام وتكاليف أجور العمالة وتنوع خيارات البنوك المركزية لمعالجة التضخم وغيرها من المسببات الاخرى.
عدة أجراس عالمية تلفت الانتباه الى ان مشكلة التضخم العالمي وأدوات معالجته في الوقت الراهن تلقي بظلالها على الأسواق العالمية وان التداعيات متنوعة في السلع وأسواق الأسهم وسوق العمل والعقارات وخاصة في اكبر ثلاث اقتصاديات في العالم (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين) في حين انخفضت توقعات المستهلكين للتضخم على المدى الطويل (على مدى السنوات الخمس إلى العشر المقبلة) إلى أدنى مستوى منذ يوليو 2021، حيث يتوقع المستهلكون ارتفاع الأسعار بنسبة 2.8٪ سنويا، وفقاً لجامعة ميشيغان University of Michigan وعليه تشهد أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم وهي – الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو- تباطؤاً حاداً للنمو وفي ظل هذه الظروف، فإن مجرد وقوع صدمة خفيفة للاقتصاد العالمي خلال العام القادم قد تهوي به في غمرة الركود بيد انه وفي نتاج اقتصادي عكسته ارتفاع اسعار الفائدة يتضح للمتابعين بأن الدولار الأمريكي قد سجل ارتفاعاً هو الأقوى حالياً امام تراجع غير مسبوق لجميع العملات الرئيسية بعد أن سجل الجنيه الإسترليني أدنى مستوى له على الإطلاق عند 1.035 مقابل الدولار كما ارتفع سعر الدولار بـ 28 % مقابل الـين، و20 % مقابل الجنيه.
وحسب تقييم المتوسط المرجح، بلغ الدولار أعلى مستوى له منذ 20 عاما، ويُعزا هذا الانخفاض الحاد في الجنيه الى التخفيضات الضريبية التي كشفت عنها المملكة المتحدة مؤخرًا فهي الأكبر منذ 50 عامًا وهو ما يخشاه المستثمرون بأن التضخم قد يزداد سوءًا مما سيؤثر على الاقتصاد البريطاني وغيره من الاقتصاديات المتقدمة ، وهذا يعني أن البريطانيين على ما يبدو مستعدون لأزمة غلاء معيشية حيث من المتوقع أن ترتفع أسعار المواد الغذائية والطاقة أكثر هذا الشتاء.
يقول آيهان كوسي، القائم بأعمال نائب رئيس البنك الدولي لشؤون النمو المنصف والتمويل والمؤسسات: من المرجح أن يكون تشديد السياسات النقدية والمالية العامة في الآونة الأخيرة مفيدا في الحد من التضخم ، ولكن لأنها على درجة عالية من التزامن في مختلف البلدان، فإنها قد تفاقِم بعضها بعضاً في تقييد الأوضاع المالية وزيادة تباطؤ النمو العالمي.
ان أحد أبرز التحديات المرحلية التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي صافي الدين العام والذي يشكل اكثر من 91 % من الناتج المحلي الإجمالي حتى منتصف العام 2021 وقد يعود بشكل او بآخر ارتفاع معدلات التضخم الى السياسات المالية التوسعية الكبيرة في وقت سابق والتي يقابلها اليوم رفع أسعار الفائدة والتشديد الكمي فالأرقام تشير الى تجاوز الدين القومي الأمريكي 31 تريليون دولار للمرة الأولى في تاريخه فيما كان 28 تريليون دولار في العام 2021 وفي العام 2020 كان 22 تريليون دولار اي بزيادة قدرها 8 تريليون دولار (35٪) على مدى السنوات الثلاث الماضية فيما كان الحد الأقل في العام 1981 عندما بلغ 1 تريليون دولار .
ان رفع او خفض معدلات الفائدة يحكمها الاقتصاد السلوكي فسلوك كل من المستهلك والمنتج تتجه هنا الى كيفية اتخاذ القرار لتحقيق أكبر منفعة ممكنة مما يعني ان خطط التمويل وخاصة تمويل الشركات ستخضع لمعايير التقييم من حيث التكلفة والارباح وهذا يقوض من النمو ناهيك عن سلوكيات قرار المستهلك والتي تتشكل في الرغبة والحاجة والقوة الشرائية والوقت المناسب فضلا عن ارتفاع التكاليف الأخرى في العملية الإنتاجية ومما لا شك فيه فإن تكلفة اسعار الفائدة تشكل عبئاً على المنتجين قبل المستهلكين فالمنتج ايضا يحتاج الى قروضاً تمويلية لإنتاج السلع والخدمات وهو ما سيقف عائقاً امام النمو الاقتصادي بل إن الأمر قد يفاقم من التضخم على اساس احتساب تلك التكاليف من العملية الانتاجية لتكون المخرجات اعلا سعراً.
في اعتقادي ان علم الاقتصاد اليوم بحاجة ماسة الى توازنات فكرية جديدة لتشكيل ممارسات فعلية على الأسواق فالنظرة المُحيرة للاقتصادي اليوم سيشاهد خطان متعاكسان لمعالجة التضخم او على اقل تقدير تجنب الازمات ولطالما مر الاقتصاد بالعديد من الازمات لكن في الغالب يولد من رحم تلك الازمات نظريات اقتصادية جديدة متوازنة تهدف فعليا الى تحقيق التوازنات في الأسواق ومعالجة الاختلالات قبل او اثناء وقوعها.
مجمل القول: بين كينز والفيدرالي علاقة عكسية في فلسفة وفهم التوظيف الكامل والنمو ولكل منهما طريقته وادواته في تجاوز الازمات، استطاع كينز ان ينقذ العالم من ازمة الكساد الكبير كما استطاع فوكر تجاوز ازمة التضخم في السبعينات فهل يستطيع الفيدرالي تجاوز هذه الازمة؟ في اعتقادي ان الحلول لن تأتي بأداة واحدة فقط على حساب أدوات أخرى ذلك لأنه من الأهمية بمكان خلق آلية للعمل الجماعي وضمن منظومة عالمية متخصصة تسهم في وضع وتحقيق معدلات تضخم مقبولة ومتوازنة مثل استقرار العملات، تسريع وتيرة النمو وتعزيز وتمكين الإنتاج ورفع كفاءته وتوليد الفرص الاستثمارية الجديدة وتمويلها بدلاً من التركيز على تقويض الطلب .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال